أمريكا… راعية الإرهاب وخصم المقاومة
عقوبات جديدة على حزب الله
كيان الأسدي*
في زمنٍ انقلبت فيه المعايير، وتحوّلت الأكاذيب إلى مسلّمات، لم يعد مستغرَباً أن تتقمّص واشنطن دور الخصم والحَكَم في آنٍ معاً. تتقدّم أمريكا بمظهر من يحارب "الإرهاب"، فيما لا يُرى من ممارساتها سوى اجتثاثٍ لجذور المقاومة، وتجفيفٍ لمنابع الشرف.
في تصريحٍ وقح لا يخلو من رائحة الاستعمار، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن العقوبات المفروضة على سوريا "حقّقت أهدافها"، تمهيداً لرفعها. لكن، أيّ أهدافٍ تلك التي يتحدّث عنها؟ هل كان المقصود تجويع الشعب السوري؟ أم تفريغ الدولة من قرارها السيادي؟ أم لعلّ الغاية هي دفعها نحو التطبيع والتفكك، لتغدو حديقةً خلفيةً لمشاريع "إسرائيل الكبرى"؟
قانون "قيصر" لم يكن يومًا نصرةً لحقوق الإنسان كما زعمت واشنطن، بل كان سوطاً أمريكياً يُلوّح به في وجه دمشق، لا لذنبٍ اقترفته، بل لأنها اختارت الاصطفاف مع الكرامة، ورفضت أن تكون بوقاً في جوقة الأنظمة المطبّعة. فُرض الحصار لتُنتزع سوريا من خندقها، وتُدفع إلى الرقص على نغمة الخيانة، والتماهي مع سيمفونية "الشرق الأوسط الجديد".
وما يدعو للسخرية حتى الضحك، هو تحوّل الموقف الأمريكي من زعيم "هيئة تحرير الشام"، حاكم السلطة السورية التطبيعية، أبو محمد الجولاني. من مطلوبٍ تُرصد الجوائز لرأسه، إلى "قائدٍ شاب" و"فاعلٍ سياسي" تروّج له دوائر القرار الأمريكية، وتسعى لشرعنته إقليمياً ودولياً. هذا التحوّل لا يكشف التناقض، بقدر ما يفضح الحقيقة: من يبيع بندقيته للعدو يُقدَّم كشريكٍ معتدل، ومن يصمد على مبدئه يُجرَّم ويُعاقب ويُحاصَر.
واليوم، تعود وزارة الخزانة الأمريكية لتفرض عقوبات جديدة على أربعة أشخاص مرتبطين بحزب الله، بذريعة تحويل أموال من إيران إلى لبنان. تُهَمٌ جاهزة، القصد منها تجريم الدعم، وخنق الشريان المالي للمقاومة، في محاولةٍ يائسة لكسر شوكة الحزب الذي أذاق الاحتلال مرّ الهزائم، وقوّض أسطورة "الجيش الذي لا يُقهر".
المعادلة باتت مكشوفة: من يحارب "إسرائيل" يُوسَم بالإرهاب، ومن يخدمها يُغدق عليه الدعم، ويُمنح الغطاء السياسي، وربما تُفرش له سجادة نوبل. أمريكا، التي رعت القاعدة، وغذّت داعش، وزرعت الفوضى في كل ركنٍ من هذا الشرق الجريح، تنصّب نفسها اليوم راعيةً لمحاربة الإرهاب! أيّ نفاقٍ هذا؟!
أما أنظمة التطبيع، فشركاء في الجريمة لا شهود عليها. يتزاحمون بخنوعٍ عند أبواب البيت الأبيض، كعبيدٍ في سوق النخاسة، يطلبون دوراً، ولو كان هامشياً، في مسرحية الذلّ. يساومون على كرامة شعوبهم، مقابل ابتسامة من مسؤول أمريكي، أو نظرة رضا من رئيس وزراء صهيوني.
لكن، في وجه هذا الطوفان من الخيانة، يبقى محور المقاومة صلبًا كالصخر، لا تزعزعه العقوبات، ولا تُرهبه قوائم الإرهاب. فمن طَهُر قلبه لا يخشى قذاراتهم، ومن صدق نواياه لا يهتزّ أمام ضجيجهم الإعلامي.
فالمرأة الطاهرة لا تعبأ برقص المومسات، كما أن المومسات يضيقن ذرعًا بسماع موعظة العذاب. وهكذا هي المقاومة: تُقلقهم بصدقها، وتُعرّيهم بثباتها، وتظلّ شوكةً داميةً في خاصرة مشاريعهم.
*المقال يعبر عن رأي الكاتب

