إبراهيم يحيى الديلمي*

"قال أحد السعوديين لصديقه القطري متندرًا: لماذا أعطيتم ترامب طائره بقيمة 400 مليون دولار؟ فأجابه القطري: عشان يحمل بها التريليون التي أخذها منكم".. بهذه النكتة المؤلمة والطريفة في آنٍ واحد، لم أجد شيئًا آخر يستحق أن أستهل به هذا المقال، فلعل المتابع الحصيف لكل ما يجري اليوم في الساحة الإقليمية العربية والإسلامية من متناقضات لا يصدقها عقل عاقل، كونها تجري في وسط أمةٍ مسلمةٍ خصها الله تعالى بخاتم أنبيائه ورسله محمد صلى الله عليه وآله وسلم وصفوة أوليائه؛ ليرشدوها إلى دينه الصحيح، وخصها أيضًا بكتابه العظيم (القرآن الكريم)؛ ليكون منهاجًا ودليلاً لها إلى الصراط الحق، سيجد أن هاتين الخصوصيتين الفريدتين لم تجدا حقهما الواجب على الأمة، سواءً من حيث الولاء المطلق والطاعة العمياء لهما، أو من حيث العمل الصادق والجاد وفق تعاليمهما التي لا شك في صوابيتهما والتي تصب في مصلحة كل الأمة.

شاهدنا ما جرى من مآسٍ وجرائم صهيونية لا يزال العدو الإسرائيلي المجرم يرتكبها إلى اليوم بكل صلفٍ واستكبارٍ بحق إخواننا وأهلنا المظلومين في قطاع غزة، منذ ما يقارب العام والنصف العام، كل هذه الجرائم التي أوجعت ضمائرنا وقلوبنا، حركت فينا مشاعر الغضب وواجب القيام بنصرة إخواننا ضد عدو مجرم وجبان لا عهد له ولا ذمة، وهو ما تجسد واقعًا ملموسًا في قرار إسناد غزة الشجاع الذي اتخذه السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله) منذ بدء عملية طوفان الأقصى وحتى اليوم، وبهذا القرار أصبح اليمن يحمل شرف التصدي الحازم للعدوان الصهيوأمريكي على غزة، في الوقت الذي لم تكتف فيه بقية الأنظمة العربية المرتهنة، بموقف المتفرج الصامت الذليل فقط، بل تجاوزت ذلك إلى موقف أشد وأنكى من الصمت والتفرج.

لرضا ترامب فليتنافس المتنافسون:

رأينا للأسف كيف احتفلت الأنظمة الكرتونية المرتهنة بزيارة الفرعون المهزوم ترامب لها، مع أنه الشريك الأصيل للصهاينة في كل جرائم الإبادة في غزة، فهذا لا يشكل فارقًا لدى هذه الأنظمة. ثم كيف انهمرت على المجرم ترمب الأموال والهدايا كالمطر، فمن هنا طائرة بقيمة 400 مليون دولار، ومن هناك ترليون دولار، ومن هنالك مبالغ أعجز عن ذكرها، وكأن لسان المذلة والهوان يقول: لرضا ترامب فليتنافس المتنافسون. وكل ذلك يأتي للأسف الشديد في الوقت الذي يموت فيه مليونا فلسطيني في قطاع غزة المظلوم والمحاصر، إما بالجوع والفاقة أو بنيران حقد العدو الصهيوني المجرم.

وهنا يتضح لأصحاب العقول الرشيدة أن الأنظمة العربية المرتهنة للعدو الأمريكي والإسرائيلي في كل من المملكة العربية السعودية ودولتي قطر والإمارات، أثبتت خلال الزيارة الأخيرة للمجرم ترامب أن الأموال التي أنعم الله بها ومنَّ بها عليها ليست سوى وصمة عار وخنجر مسموم في الخاصرة العربية، فهي بمجرد وهب تلك الأموال للمجرم ترامب، ليست سوى شريك في كل ما ارتكبته آلة القتل والحقد الصهيونية من جرائم إبادة بحق مواطني قطاع غزة.

ابتزاز مفضوح وانبطاح مذل:

في خطابه الأخير يوم اول أمس الخميس الذي تناول فيه آخر تطورات العدوان الصهيوني على غزة والمستجدات على الساحة الإقليمية، بيّن لنا السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله) أن ما يقوم به اليوم الرئيس الأمريكي المجرم دونالد ترامب من تصرفات النهب المعلن للأنظمة العربية المرتهنة لنظامه المستكبر، يأتي في سياق الابتزاز لهذه الدول، وهذا الابتزاز عادة ما يتم بالتمنن على بعض هذه الأنظمة تارةً بالمساعدات الأمريكية، التي ليست سوى مكافأت تشجيعية تقدمها الولايات المتحدة لدول الطوق العربية (التي على حدود كيان العدو) التي لا أعتقد أنها بحاجة تلك المساعدات؛ كونها لا تمر بحروب وكوارث وأزمات مجاعة، وبالتالي فهذه المساعدات تأتي لتشجيعها على الثبات على مواقفها المخزية تجاه قضاياها الحساسة، وجرها عند الحاجة إلى مربع الموقف والقرار الأمريكي الصهيوني، وهذا يتضح فيما فعله مؤخرًا المجرم ترامب بملك الأردن ومصر.

ولنفس الهدف مع غاية تحقيق الربح، يتمنن المجرم ترامب على البعض الآخر كالسعودية وقطر والإمارات والبحرين والكويت، متذرعًا بأكذوبة الحماية ولكن بمقابل كبير جدًا، وليت شعري هل هذه الدول من دول المواجهة حتى تكون في حاجة للحماية؟! ثم أليست القواعد الأمريكية الموجودة في هذه الدول هي لحماية المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط دون غيرها، وبالتالي فأمريكا هي من يشكل خطرًا على تلك الدول، ما يعني أن هذه الدول تحتاج للحماية من الهيمنة الأمريكية لا العكس؟

يقول ترامب في تصريح له يوم أول أمس الخميس: "لم يسبق لي أن جمعت 4 تريليونات دولار في جولة واحدة لنحو 4 إلى 5 أيام فقط" والمثير للسخرية هو تشدق ترامب بأن استحقاق الولايات المتحدة لكل هذه الأموال والهدايا، يأتي بسبب قيامها بحماية تلك الأنظمة الكرتونية من خطر غير موجود أساسًا، وهنا نتسائل أيضًأ: إذا كانت واشنطن قد عجزت في الأيام القليلة الماضية عن حماية جرثومتها من العمليات اليمنية، بل وحماية نفسها في مواجهة مفتوحة مع القوات المسلحة اليمنية ذات الإمكانيات المحدودة في البحر الأحمر، فكيف يمكنها حماية غيرها!!!

اليمن.. دروس وعبر:

مع استمرار تنفيذ العمليات اليمنية المساندة لغزة، في عمق كيان العدو الصهيوني بهدف وقف الملاحة الجوية الإسرائيلية من وإلى مطار اللُد (بن غوريون)، لا شك أن اليمن بات يفرض معادلة جديدة على العدو الصهيوني، وأصبح وفقًا لها على بعد خطوات قليلة من تحقيق النصر الكامل على العدو الصهيوني بإجباره على وقف عدوانه الوحشي على قطاع غزة ورفع الحصار عنها.

وكل ذلك يأتي بعد انتصار القوات المسلحة اليمنية على القوات الأمريكية في البحر الأحمر وإجبارها على إعلان وقف عدوانها على اليمن بل ووقف إسنادها للعدو الصهيوني، وبالتالي فالإسناد اليمني لغزة الذي دائمًا ما يؤكد على استمراره السيد القائد (يحفظه الله) في كل خطاباته، كما نجح في ضرب الملاحة البحرية الإسرائيلية في البحر الأحمر تمامًا ووقف الإسناد الأمريكي للعدو، وبرغم محدودية قدراته العسكرية إلا أنه (بعون الله وتوفيقه) سيؤدي ولا شك إلى انتصار الإرادة اليمنية الفلسطينية المتمثلة في إجبار العدو الصهيوني على وقف عدوانه ورفع حصاره عن قطاع غزة، وهذا بحد ذاته يُعد درسًا وافيًا يجب على الأنظمة العربية المرتهنة للأمريكي والإسرائيلي، أخذ العبرة والاستفادة والتعلم منه، واتخاذ المواقف الإيمانية الصحيحة بالخوف من الله، والاعتماد على قوته وحمايته، لا على قوة أمريكا وحمايتها الوهمية، فأمريكا ليست قشة فقط وإنما هي أضعف من القشة، وقد أثبتت الوقائع فشل هذا النظام المتغطرس في حماية نفسه وعجزه عن فرض مشاريعه المضلة بالقوة؛ فمقياس القوة لوحده لا يكفي لتحقيق الانتصارات.

*المقال يعبر عن رأي الكاتب
* المسيرة نت