السياسية || محمد محسن الجوهري*

ليس فقط لتحريرها بالكامل، بل وحتى لإعادة إعمار كل المدن والبيوت الفلسطينية التي دمّرها الاحتلال منذ عام 1948. ولكن – للأسف – فإن الخيانة تأبى أن تتحرر فلسطين، وتُصرّ على أن تبقى المأساة قائمة، وأن تُوجَّه ثروات الأمة إلى خدمة المجرمين والقتلة من أعدائها.
وقد صدق الله عز وجل حين قال: {الأعراب أشد كفراً ونفاقاً}. فهل هناك نفاقٌ أشد من دفع الجزية لرئيس أمريكي مثل ترامب؟ وهل هناك كفرٌ أوضح من خذلان المسلمين في غزة، والسكوت عن آلة القتل التي تحصد الأرواح بلا تمييز، وتستهدف الأطفال وكأن قتلهم هواية تمارس بدم بارد؟

ولو تأملنا في السنوات الخمس عشرة الأخيرة، لرأينا أن "أنظمة الجزية" لم تتردد في دفع المليارات لتأجيج الفتن والصراعات داخل العالم العربي والإسلامي، مسببةً كوارث إنسانية مروّعة، كما هو الحال في "عاصفة الحزم" في اليمن، و"فتنة الإخوان" في سورية وليبيا، وما يحدث حالياً في السودان. فقد أغدق آل سعود وآل نهيان وآل ثاني الأموال والأسلحة لتمزيق الشعوب الإسلامية، بينما تجاهلوا القضية المركزية: فلسطين.

وشاهدنا بأمّ أعيننا ما جرى في سورية، حيث جُنّدت عشرات الآلاف من الجماعات المتشددة، ودُرّبت وسُلّحت بأحدث الأسلحة، بما فيها الصواريخ المضادة للطائرات والدروع. ولو أن هذه الموارد وُجهت لخدمة القضية الفلسطينية بصدق، لكان الاحتلال اليوم جزءًا من الماضي. لكنهم اختاروا ترك ولاية الله، واستبدلوها بولاية الشيطان، ولهذا وقفوا في صف أعداء الأمة في كل زمان ومكان، لا في فلسطين وحدها، بل في عموم أوطاننا العربية والإسلامية.

ولا شك أن لكل ظلمٍ نهاية، ومظلومية غزة لا نظير لها في هذا العالم من حيث البشاعة والاستمرار. وفي سنن الله الكونية ما يدعونا للتفاؤل بزوال الظالمين، مهما طال بطشهم. وما نشهده اليوم من تفكك أخلاقي في بلاد الحرمين، والتضييق على زوار بيت الله، كل ذلك يُعدّ من مؤشرات نهاية أنظمة لم تعد قادرة على ستر سوءاتها.

إن زوال النظام السعودي، المؤسس أصلاً على تعهدات بحماية الكيان الصهيوني، سيُعيد تشكيل وجه المنطقة، وسينقطع بذلك شريان التمويل عن كيان الاحتلال. وقد رأينا كيف اضطر ترامب ذات يوم، إلى تقليص دعمه للكيان في البحر الأحمر، فقط بسبب كلفته المالية، وهو مؤشر مهم على أن الاحتلال لا يعيش إلا بالدعم الخارجي، لا سيما الخليجي، ومع توالي الخسائر المادية والسياسية، ستصل "إسرائيل" إلى حافة الزوال، فهي كيان صناعي، هشّ، قائم على المال والدعم لا على القيم أو الجذور. وبداية النهاية قد انطلقت، والقادم أعظم بإذن الله.

لقد آن الأوان لتستفيق الأمة من سباتها، وتدرك أن تحرير فلسطين لا يتطلب المعجزات، بل إرادة صادقة، وموارد موجودة، وتوجيه أمثل للثروات. تريليون واحد فقط – مما يُهدر في نزوات الطغاة – قادر على قلب المعادلة، وتغيير وجه التاريخ. والحق لا يموت ما دام خلفه مطالب، وإن غداً لناظره قريب، وإن وعد الله بالنصر لعباده المظلومين لا يتخلف. فلتُعد البوصلة، ولتُوجَّه الجهود حيث يجب أن تكون، نحو القدس، حيث المعركة الحقيقية، وحيث النصر الموعود.


* المقال يعبر عن رأي الكاتب