صنعاء تفرض معادلة جديدة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني وتتصدر المشهد السياسي العربي الراهن ! ..
السياسية || صلاح المقداد*
لم يكن أحداً يتصور أو يتخيل على الإطلاق أن بلداً عربيًا كاليمن مُكبل بالكثير من القيود والأغلال الإجتماعية والإقتصادية والسياسية، يسعى الجار والشقيق والقريب والبعيد لإقلاقه وزعزعة أمنه واستقراره والتدخل في شؤونه، أن يطل برأسه العالية من بين الركام وأنقاض الخرائب شامخًا ثابتًا صلبًا مُتماسكًا، ويسجل موقفًا مُشرفًا بإسناد غزة وشعب فلسطين المظلوم وقضيتها العادلة، ويُفاجئ الجميع وعلى رأسهم الأعداء التاريخيين لهذه الأمة (الصهاينة والأمريكيين) بضربات صاروخية بالستية موجعة، بل ويجرأ وهو البلد العربي المحدود الإمكانيات الذي مزقته الحرب الضآلة عليه، أن يخوض مع أولئك الأعداء الذين يمتلكون أفتك وأحدث أسلحة الدمار الشامل في العالم، مواجهات مباشرة على شواطئ البحر الأحمر الملتهب ، ويستهدف بوارج أمريكا الحربية وحاملات طائراتها التي تتباهى بها ، ويُصيبهم في أكثر من مقتل ويتسبب للأمريكيين في خسارات كبيرة قُدرت بمليارات الدولارات بحسب اعترافاتهم، وهو ما حدا بالرئيس الأمريكي المهووس دونالد ترامب أن يُصرح مُؤخراً ويقولها علنًا :"إن الحوثيين مُقاتلين شجعان ومن السهل هزيمتهم والقضاء عليهم بسرعة "، ثم اضطر لاحقًا إلى توقيع اتفاق لوقف النار معهم برعاية عمانية نص على أن يتوقف الأمريكيين عن العدوان على اليمن مقابل ايقاف "انصار الله" هجماتهم على السفن الأمريكية التي تمر في البحر الأحمر وكف الهجمات على البوارج الحربية الأمريكية، وكأنه بذلك يستشهد بالمثل اليمني القائل" جيد يسلم جيد" ! .
وليس هذا فقط بل أقر ترامب أن "انصار الله" بضرباتهم المباشرة لقواته تسببوا في خسارة الولايات المتحدة لأكثر من ثمانية مليار دولار، حيث تمكنوا من اسقاط عدد من طائراتها المسيرة العالية التقنية والدقة، فضلاً عن اسقاط طائرات تجسسية أخرى وثلاث طائرات "إف 18" الشبحية فخر الصناعات العسكرية الأمريكية، والأهم والأخطر نيلهم من هيبة الولايات المتحدة كدولة عظمى تمتلك أقوى جيش في العالم ومرغوا أنفه وأنفها في التراب .
واعترف المجرم ترامب مُرغمًا ومُضطراً في نفس الوقت بقدرات حكومة صنعاء العسكرية الهائلة والفائقة، وتطور الصناعات العسكرية اليمنية بشكل كبير وخطير ومن ضمنها الدفاعات الجوية والصواريخ ما مكن القوات المسلحة اليمنية من اصابة حاملة الطائرات الأمريكية "ترومان" اصابة مباشرة واجبار الأمريكيين على سحبها من البحر الأحمر، وهذه أول مرة تتعرض فيها القوات الأمريكية لهجمات مباشرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، ومن قبل دولة نامية وفقيرة بحسب تصنيفهم ، لكنها قوية بإرادة شعبها الحر المجاهد، وقيادته الثورية المؤمنة التي أختارت شرف نصرة غزة وأهلها من بين سائر العرب والمسلمين ولم تبال بتبعات ذلك ونتائجه على المدى القصير والطويل .
والعجيب الغريب أن يعترف الأعداء ويقروا في تصريحاتهم بقدرات صنعاء العسكرية وجرأة حكومتها على الدخول مع أمريكا وربيبتها "إسرائيل" وحليفتها في مواجهات مباشرة، وأظهرت هذه المواجهات شجاعة قيادة صنعاء وتمكن قواتها المسلحة من استهداف حاضرة الكيان الصهيوني "تل أبيب" ودك مطار اللد "بن غوريون" بالصواريخ الباليستية فرط صوتية وبالمسيرات من على بعد الاف الأميال وفرض اغلاق جوي على المطار مما أدى إلى تكبد الإقتصاد الإسرائيلي خسائر بملايين الدولارات يومياً.
هذا فيما يصر أذناب الغرب وعملائه من الأعراب ومرتزقة الداخل في اليمن على التقليل من شأن ما يقوم به أنصار الله من عمليات عسكرية بطولية وجريئة اسناداً لغزة وأهلها الذين يتعرضون لأبشع أنواع حرب الإبادة الجماعية في التاريخ في ظل صمت عربي ودولي رهيب ، ويسخر أولئك الأذناب والمرتزقة من موقف صنعاء من قضية فلسطين وما يجري في غزة بشكل خاص، ويأبون إلا أن يروا مالا يراه غيرهم بعيون وقحة، ويحاولون جاهدين حجب الحقيقة، والتشكيك من أهميتها وجدواها، وبعضهم يُطلق على عمليات اطلاق الصواريخ على الكيان الصهيوني لعبة، وهم بذلك واهمون ومدفوعين بعقد النقص ليهذوا بما يهذوا به ، وهيهات أن ينجحوا بحملتهم الإعلامية القذرة هذه أو غيرها، وهيهات أن يصدق ترهاتهم أحد وهم أعجز وأحقر من أن يُلتفت إلى أمثالهم أو يتكلف بالرد عليهم، ومثل هؤلاء وأطنابهم في كل مرحلة وفترة من التاريخ ينطبق عليهم قوله تعالى "في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا" ، ولشدة نفاقهم ومروقهم عن الحق هم من "لعنهم وأعد لهم عذابًا أليما" ، وهم يندرجون ضمن قائمة المنافقين وقطيع المُرجفين في الأرض، وليس لما يصدر عنهم من نعيق وهُراء عقيم معنى يُذكر .
ويكفي الأحرار الصامدون في صنعاء والثابتون على مبادئهم الأسمى فخراً وزهواً أنهم فعلوا ويفعلوا مالم يجرأ غيرهم على فعله، ودفعتهم النخوة والغيرة والواجب الديني والأخوي والأخلاقي لإسناد اخوتهم في غزة وخوض حرب مباشرة مع "كيان إسرائيل" رغم المسافة، في حين أحجمت دول عربية قريبة من "الكيان الصهيوني" عن فعل ذلك، وفي الوقت الذي أذعن لها الكثير من العرب وسعى معظمهم للتطبيع معها ، بل ويقدم بعض الأعراب المطبعين المساعدات لـ"إسرائيل" بغرض قتل الفلسطينيين في غزة ويتبنون موقف تل أبيب ويحملون من يقاوم ويستشهد دفاعًا عن أرضه المغتصبة وعرضه وحقه مسؤولية ما يحدث، كما تفعل مشيخة آل نهيان في أبو ظبي التي أصبحت بمواقفها الخيانية والتآمرية صهيونية أكثر من الصهاينة أنفسهم .
وقد سجلت صنعاء بموقفها المشرف هذا موقفًا تاريخيًا شجاعًا يحسب لها في كل الأحوال، وتمكنت من أن تفرض معادلة جديدة في تاريخ الصراع العربي - الصهيوني وتكون نداً قويًا لأعتى قوى البغي والشر في الأرض حتى صاروا يحسبون لها ألف حساب، وتثبت أنها قوة محلية وعربيه واقليمية لا يستهان بها وبأنها صارت تمثل رقمًا صعبًا في الحسابات الإقليمية والدولية لا يمكن شطبه وتجاوزه .
والأهم من كل ذلك فلا غضاضة من القول أيضًا تأسيسًا على ما تقدم من يقين ، إن ما تقوم به حكومة صنعاء منذ بدء معركة طوفان الأقصى في أكتوبر 2023م ، ليس بغريب عنها وعن شعب اليمن الأصيل وقيادته الثورية التحررية ، وهذا الذي قامت به صنعاء وتقوم به اسناداً لغزة يندرج ضمن ما تؤمن وتشعر بأنه واجب مفروض عليها تجاه غزة وأهلها، وسيبقى هذا الواجب والموقف من حكومة صنعاء أسمى من كل تخرصات المتخرصين وأذناب الغرب وأمريكا وصبيان وغلمان تل أبيب من المطبعين وكل المنبطحين من أبناء هذه الأمة .
على أنه لم يدر بخلد أحد من قبل أن صنعاء يمكنها أن تفعل ذلك وتنجح فيه، بالرغم ان هناك دول عربية واسلامية ذات امكانيات عسكرية وإقتصادية هائلة، جبنت وذلت أن تقول لـ"أمريكا وإسرائيل" حتى كلمة "لا" ، و"كفى" وتجبر الكيان الصهيوني على وقف مجازره في غزة، في حين صنعاء اتخذت موقف الشجاع المساند والداعم لأهل غزة وتبنت قضية مظلوميتهم انطلاقاً من مبدأ اخوي وإلتزام ديني وأخلاقي اوجب عليها نصرتهم واسنادهم وخوض معركة الفتح المقدس معهم، غير مكترثة بالنتائج والتهديدات والعواقب ولا بالوعيد والتهديد لها من الأعداء اذا استمرت في نصرة أهل غزة، وحتى برغم الحرب الظالمة التي يتعرض لها شعبنا اليمني على مدى أكثر من عشر سنوات من قبل دول تحالف العدوان السعودي الاماراتي، الصهيوني الأمريكي وما نجم عن ذلك العدوان من ضحايا وخسائر لم تثن اليمنيين الأحرار عن موقف الإباء والعزة والشرف الذي اعتادوا ان يقفوه وكانوا وظلوا عليه .
وبهذا وسواه تبدو صنعاء الثابتة على مبدأها وموقفها المشرف كمن اختار بإعتزاز وإصرار وثبات طريق العزة والشرف والكرامة، فيما اختار سواها ممن يدورون اليوم في فلك الصهيونية والإمبريالية طرق ملتوية لن يصلوا بها إلا إلى الحضيض والقاع وأسفل السافلين، وحتمًا سيجدون أنفسهم عن قريب وقد ألقي بهم في مزبلة التاريخ، وهي المكان المناسب لهم ولأمثالهم من خونة الدين والأوطان والشعوب والأمة، وإلى حيث ألقت بنفسها "أم قشعل" بحسب مثل عربي قديم ومشهور، ولا عزاء! .
*المقال يعبر عن رأي الكاتب