مقترح ويتكوف: مناورة أميركية لتكريس الهيمنة الصهيونية
كيان الأسدي*
في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، طرح البيت الأبيض بقيادة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ما عُرف بـ"مقترح ويتكوف"، مبادرة أميركية ظاهرها التوصل إلى هدنة إنسانية، وباطنها ترسيخ المصالح الإسرائيلية وتوفير إنجاز دبلوماسي سريع يخدم ترامب ويكرّس واقع الاحتلال.
المبادرة، التي قدّمها ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص لترامب إلى الشرق الأوسط، جاءت ـ بحسب صحيفة معاريف العبرية ـ متماهية مع الرؤية الإسرائيلية، إذ تبنّت المقترح الذي صاغه رون دريمر، وزير الشؤون الاستراتيجية في حكومة الاحتلال والمقرّب من بنيامين نتنياهو، فيما تجاهلت طرحًا بديلاً تقدّم به السياسي الفلسطيني-الأميركي بشارة بحبح، رئيس منظمة "العرب الأميركيون من أجل ترامب".
رون دريمر، السياسي والدبلوماسي الأميركي-الإسرائيلي، يُعد من الشخصيات الأشد تأثيرًا في محيط نتنياهو، ويُلقب في الأوساط الصهيونية بـ"عقل نتنياهو" و"علبته السوداء"، نظرًا لدوره المحوري في بلورة السياسات الخارجية الإسرائيلية، لا سيما في ملف التطبيع وصفقات السلاح والموقف من إيران وغزة.
في المقابل، برز اسم بشارة بحبح، الأكاديمي الفلسطيني المنحدر من القدس، كوسيط غير رسمي بين حماس وبعض الدوائر الأميركية، حيث سعى لطرح تصور بديل يقوم على وقف دائم للعدوان وضمانات أممية لحماية المدنيين، إلا أن مقترحه قوبل بالتجاهل، لصالح الطرح الإسرائيلي الذي يتماشى مع مزاج المؤسسة الحاكمة في واشنطن وتل أبيب.
تتضمن بنود "مقترح ويتكوف" ما يلي:
• هدنة مؤقتة لمدة 60 يومًا
• إطلاق سراح 10 رهائن إسرائيليين أحياء و18 جثة، على مرحلتين خلال الأسبوع الأول من الاتفاق
• إفراج إسرائيل عن 125 أسيرًا فلسطينيًا محكومين بالمؤبد، و1,111 معتقلاً من غزة اعتُقلوا بعد 7 أكتوبر
• بدء مفاوضات فورية حول وقف دائم لإطلاق النار تشمل تبادل الأسرى المتبقين، وانسحابًا جزئيًا للقوات الإسرائيلية
• إعادة تنظيم آلية توزيع المساعدات الإنسانية، بإشراف الأمم المتحدة، مع انسحاب محدود للقوات الإسرائيلية من بعض مناطق قطاع غزة
هذه البنود، وإن بدت في ظاهرها متوازنة، إلا أنها تفتقر إلى أي التزام صريح بإنهاء العدوان أو رفع الحصار أو الاعتراف بالحقوق الفلسطينية، ما يجعلها أقرب إلى إعادة إنتاج الواقع القائم بوجه جديد، يضمن لـ"إسرائيل" مكاسب ميدانية وسياسية، ويمنح ترامب ورقة تفاوضية في الداخل الأميركي.
موقف الاحتلال: قبول تكتيكي مع استمرار التصعيد
في استجابة سريعة، أبلغ رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو عائلات الأسرى بموافقته على المقترح، مؤكدًا في الوقت نفسه استمرار العمليات العسكرية حتى "القضاء على حماس". وهو ما يُبرز التناقض الجوهري في الموقف الإسرائيلي: الترويج للسلام بينما تمضي آلة الحرب في تدمير كل ما تبقّى من بنية الحياة في غزة.
موقف حماس: دراسة حذرة للمقترح
نشرت قناة الأقصى، نقلًا عن مصدر مطّلع، أن حركة حماس لا تزال تدرس مقترح ويتكوف، نافيةً ما تروّجه بعض وسائل الإعلام عن التوصل إلى اتفاق نهائي. هذا الموقف يعكس مقاربة حذرة من الحركة تجاه المبادرة، في ظل الشكوك حول جديتها وانحيازها الواضح للاحتلال.
يتضح من خلال تحليل السياق والبنود أن "مقترح ويتكوف" ليس إلا محاولة جديدة لإخراج الاحتلال من مأزقه العسكري والأخلاقي، عبر هدنة مؤقتة تُستخدم كغطاء لإعادة الانتشار الميداني وتصفية ما تبقى من عناصر القوة لدى المقاومة.
كما أن المبادرة تخدم هدفًا مزدوجًا: تمنح ترامب إنجازًا دبلوماسيًا يُسوقه كـ"صانع سلام"، وتقدّم لـ"إسرائيل" مكاسب حقيقية دون أن تُلزمها بتغيير سلوكها الاستيطاني أو سياساتها العدوانية.
إنها محاولة للالتفاف على صمود المقاومة ومطالب الشعب الفلسطيني، عبر اتفاق هش لا يرقى لمستوى التضحيات ولا يعالج جذور الصراع. فبدون وقف شامل للعدوان، ورفع الحصار، وضمان الحقوق الوطنية، فإن أي تهدئة لا تعدو أن تكون هدنة مقاتل، يستعد فيها العدو لجولة جديدة من الإبادة.
*المقال يعبر عن رأي الكاتب