جرائم "الإخوان" في سورية تُنعِش النظام المصري
السياسية || محمد محسن الجوهري*
قبل سقوط العاصمة السورية دمشق بيد الجماعات التكفيرية الموالية لجماعة الإخوان المسلمين، كان نظام عبد الفتاح السيسي في مصر يمرّ بأسوأ مراحله وأكثرها قتامة، لا سيما في الفترة الممتدة بين 7 أكتوبر 2023 – تاريخ انطلاق عملية "طوفان الأقصى" – و8 ديسمبر 2024، يوم سقوط سورية بالكامل.
فالشعب المصري كان على وشك الانفجار، ليس فقط بسبب موقف السيسي المعيب في حصار غزة ومساندته غير المباشرة للعدوان عليها، بل أيضًا نتيجةً لانهيار الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وتفشي القمع الوحشي الذي لم يستثنِ أحدًا.
وقد استغلت قناة الجزيرة والإعلام القطري هذه الأوضاع بشكل مكثف، وحركت حملات إعلامية غير مسبوقة للإطاحة بالسيسي. لكن الغاية لم تكن نصرة غزة، بل محاولة لإعادة جماعة الإخوان إلى السلطة من جديد.
غير أن ما جرى في سورية، من فظائع وجرائم إبادة جماعية، خصوصًا ضد العلويين في الساحل السوري، والقتل على الهوية في شتى أنحاء البلاد، والانهيار الأمني الشامل، إضافة إلى الانحدار الاقتصادي المستمر منذ 2011، كان بمثابة طوق نجاة غير مباشر لنظام السيسي. بل إن ما هو أسوأ من كل ذلك، هو السقوط الكامل أمام الكيان الصهيوني، وتسليم البلاد له من دون أي مقاومة تُذكر.
فقد تحولت سورية للأسف، إلى مسرح مفتوح أمام الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما جعل قطاعًا كبيرًا من المصريين يخشون مصيرًا سوريًّا مشابهًا، فاختاروا – ولو مؤقتًا – الرضوخ للوضع القائم خوفًا من انهيار شامل، كما حدث في دمشق.
لقد قدّمت جماعة الإخوان، عمليًا، أكبر هدية لنظام السيسي، إذ تلاشت بعدها أصوات الثورة، وخفتت دعوات الحرية، وبدأت بوادر "الاستقرار القمعي" تعود تدريجيًا، بل وتراجع الصوت المصري المساند لغزة بشكل ملحوظ.
وكيف لا؟ وقائد "الثوار" في سورية الذي كان يتوعد بتحرير القدس إذا دخل دمشق، هو ذاته من سلّم دمشق لاحقًا للصهاينة، وسعى لتطبيع العلاقات معهم وتسليم القرار السياسي لـ"تل أبيب"، في سياق مشروع "ممر داوود" الذي تحلم به "إسرائيل"، للوصول إلى العراق وتأسيس ما تسميه "إسرائيل الكبرى" التي بشّر بها نتنياهو في كتابه "بيبي"، وتعهد بتنفيذها ما دام في الحكم.
ورغم أن المقاومة في فلسطين يغلب عليها الطابع الإخواني، وكما أن سكان غزة جميعًا من أهل "السنّة والجماعة"، إلا أن هذه الاعتبارات لا تعني شيئًا لدى الإخوان إذا كان الخصم مسلمًا.
فالجماعة، للأسف، لم تتورع عن التنازل أمام الكيان الصهيوني، وهي مستعدة لبيع الأمة وقضاياها مقابل سلامة "إسرائيل" وضمان أمنها، ما يعكس ازدواجية مفرطة في المعايير، وسقوطًا أخلاقيًّا يصعب تجاهله.
ومع هذا الانهيار الأخلاقي، لا تزال الجماعة، ومعها قناة الجزيرة، تصرّ على إشعال الفتن الطائفية وتأجيج الصراعات البينية، بعيدًا عن فلسطين المحتلة، وكأن هدفها الحقيقي ليس مقاومة الاحتلال، بل تفتيت الصف الإسلامي ومنع توحّده في وجه العدو المشترك. ويبدو أن الإخوان باتوا يطبقون منهجية مشابهة للمنهج الوهابي الذي لطالما سعى إلى تمزيق الأمة، حتى لا تلتفت إلى العدو الحقيقي.
ومن هنا، فإن من واجب المسلمين كافة أن يحذروا من هذه الجماعة المضللة، وألّا ينخدعوا بإعلامها الموجَّه، دون أن يعني ذلك الانصراف عن دعم الشعب الفلسطيني المظلوم، فهو الضحية الكبرى لمؤامرات الإخوان وغيرهم.
ولا شك أن الساحة لم تخلُ من أحرارٍ صادقين لا يلهثون وراء المال الخليجي، ولا يتبعون إعلام التحريض القادم من الرياض أو الدوحة، إذ إن النظامين وجهان لعملة واحدة.
ومهما بدا التناحر بينهما في العلن، فإن آل سعود وآل ثاني متفقون في الباطن على العمالة للغرب وخيانة القضية الفلسطينية.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب