السياسية || بقلم : مبارك حزام العسالي*

إلى أولئك الذين يحاولون السخرية من تصريحاته، ولأولئك الذين يجلسون في صالوناتهم المكيفة في الفنادق وغيرها بعيدًا عن لهيب المعركة، نقول: المشير مهدي المشاط ليس مجرد اسم يترأس مجلسًا سياسيًا. إنه امتداد لنهج مقاوم خطه الشهداء بدمائهم الزكية، وصاغه الميدان بتضحياته الجسام، وباركه شعبٌ يمنيٌ صامدٌ قدم فلذات كبده فداءً للعزة والكرامة. يمثل المشاط رمزًا للقائد الذي لم يتشكل في قاعات المؤتمرات الفاخرة أو صالونات الدبلوماسية، بل برز من رحم المعركة، من لهيبها وتحدياتها اليومية، حيث تتجلى صلابة الرجال.

هذا الرجل، الذي عاش تفاصيل المواجهة لحظة بلحظة، يدرك بعمق معنى مواجهة "الفيلة" - تلك القوى العاتية التي تظن أنها قادرة على فرض إرادتها بالقوة الغاشمة - حين تكون صنعاء، عاصمة التاريخ والشموخ اليمني الأصيل، ساحة للكرامة والعزة الأبدية، لا حلبة تُداس فيها كرامة الأمة أو تُمرر فيها مشاريع الخنوع.

إن قيادته ليست تقليدية، بل هي قيادة نابعة من التجربة الحية في الخطوط الأمامية. لقد رأى المشاط بأم عينيه تضحيات الشعب، وشهد عن كثب صمود المقاتلين، وفهم بعمق تطلعات اليمنيين للعيش بحرية وكرامة. هذا ما منحه القدرة على قيادة مشروع المقاومة بخطوات واثقة، مستندًا إلى إرادة شعبية لا تلين، ومبادئ راسخة لا تعرف المهادنة.

إنه يجسد الروح اليمنية التي ترفض الانكسار، وتتمسك بالسيادة الوطنية كحق مقدس لا يمكن التنازل عنه مهما عظمت التحديات. فليعلم الساخرون أن كلمات القائد لا تنبع من فراغ، بل هي صدى لصوت شعب مقاوم، ورؤية قائد تبلورت في أتون المعركة.

نزال صنعاء: معركة الهوية والمصير والقرار المستقل في وجه الهيمنة

إن ما يجري في صنعاء يتجاوز كونه مجرد نزال عسكري تقليدي ينتهي بانتصار جيش على آخر، كما قد يتخيل البعض.

إنه في جوهره نزال مشروع يحدد ملامح المستقبل ليس لليمن فقط، بل للمنطقة بأسرها؛ ونزال مصير يقرر وجه الأمة وهويتها الحضارية؛ ونزال قرار مستقل في وجه منظومة الهيمنة العالمية التي تسعى لفرض إرادتها بالقوة الناعمة والخشنة على الشعوب التي ترفض التبعية. هنا يكمن الفارق الجذري والفاصل بين ما نمثله كشعب يمني حر، وما تمثله القوى التي تسعى لتقويض إرادتنا واستقلالية قرارنا.
نحن لا نقاتل دفاعًا عن سلطة أو كرسي حكم، فهذه قضايا عابرة تتغير بمرور الزمن. بل نقاتل من أجل هويتنا الأصيلة المتجذرة في التاريخ، هويتنا العربية والإسلامية التي ترفض الخضوع لأي إملاءات خارجية. نقاتل من أجل سيادتنا الكاملة على أرضنا ومواردنا وقراراتنا، سيادة لا تقبل المساومة أو التنازل عن شبر واحد من تراب الوطن.

نقاتل لكي لا يُقال في يوم من الأيام عن عاصمة عربية، أي عاصمة، إنها خاضعة للإملاءات الأمريكية أو الصهيونية، أو أنها باتت ذيلًا لمشاريع إقليمية أو دولية لا تخدم مصالح شعوبها.

هذه المعركة هي تجسيد حي للإرادة الشعبية التي رفضت الذل والخضوع، وتمسكت بحقها المشروع في تقرير مصيرها بعيدًا عن أي وصاية خارجية.

إنها رسالة واضحة وقوية لكل من يحاول المساس بسيادة الأوطان وكرامة الشعوب: صنعاء ستبقى حصنًا منيعًا، وشوكة في حلق كل محتل أو متآمر، وستظل منارة للتحرر والإباء.

إن الصمود الأسطوري الذي أظهره الشعب اليمني، والتضحيات الجسيمة التي قدمها، لم تذهب سدى؛ بل صاغت ملاحم بطولية ستظل خالدة في ذاكرة الأجيال، مؤكدة أن الأمة القادرة على التضحية بهذه الروح لن تنكسر أبدًا، وأن الحق يعلو ولا يُعلى عليه مهما تكالبت عليه قوى الظلم والطغيان.

اليمن اليوم، بصموده وقيادته المستلهمة من الميدان، يرسل رسالة أمل للمستضعفين في كل مكان، مفادها أن النصر حليف الإرادة الحرة والصمود الشجاع. فليدرك الساخرون أن سخريتهم لا تزيدنا إلا تصميمًا، وأن كلمات القائد تعكس قوة شعب، لا ضعف فرد.

*المقال يعبر عن رأي الكاتب