السياسية || محمد محسن الجوهري*

ما يحدث اليوم في الساحل السوري من جرائم قتل وانتهاك للأعراض بدوافع مذهبية وعقائدية لا تختلف عن دوافع اليهود ضد أهل غزة، هو أيضاً المخطط الذي كان بانتظار صنعاء وأهلها على يد الجماعة نفسها في اليمن بقيادة الزنداني، فنظرة الإخوان لأهل صنعاء وقبائلها هي نفسها للعلويين في الساحل السوري، ولم ينس الإخوان دور القبيلة اليمنية في إفشال مخططهم القديم عام 1948، والذي ولد حقداً ممنهجاً ضد الصناعنة بشكلٍ عام، ويظهر في أدبيات حزب الإصلاح ووسائل إعلامه على شكل احتقار مناطقي أو تكفير علني.
وللتذكر، فإن المشروع الذي وجد بيئة خصبة في سورية وغزة، فشل فشلاً ذريعًا في اليمن. فالجماعة لم تنجح في تنفيذ المجازر التي كانت تتوق إليها، ولم تتمكن من فرض سطوتها على العاصمة، كما فعلت في مناطق أخرى.
ولمن لا يعلم، فإن هذه الجماعة تتحرك وفق بواعث تاريخية وعقائدية، وترى في صنعاء وضواحيها نفس النظرة الدموية التي تحملها للعلويين في سورية. لو قُدّر لهم بسط السيطرة على العاصمة، لما توانوا عن ممارسة الإجرام وانتهاك الأعراض، كما حدث ويحدث في الساحل السوري. ولعلّ تصريح القيادي في حزب الإصلاح محمد قحطان عن "غرف النوم" آنذاك لم يكن إلا نافذة صغيرة على المستقبل المظلم الذي كان ينتظر صنعاء، لولا إرادة الله.
مرّ تصريح قحطان مرور الكرام داخل الجماعة، ولم يُعَدّ خروجًا عن الأخلاق أو تهديدًا خطيرًا، بل كان انعكاسًا صريحًا لثقافة تُبيح البطش بالخصوم، دينيًا وسياسيًا، وتعتبر التهديد بالعرض وسيلة مشروعة لكسر إرادة المخالفين. وهذا العداء المستحكم لصنعاء وقبائلها الأصيلة، التي أفشلت مشاريعهم منذ عام 1948، لا يزال ظاهرًا في أدبيات حزب الإصلاح ووسائله الإعلامية التي لا تخفي نزعتها الإقصائية وترى في صنعاء وأهلها نفس نظرة إخوان سورية تجاه العلويين.
الطامة الكبرى أن عفاش حينها، بدلًا من أن يردع هذه الجماعة بعد تلك التصريحات المهينة التي كشفت نواياهم الدموية، اختار أن يساير الموجة الإقليمية والدولية، وسارع إلى توقيع ما سُمّي بـ"المبادرة الخليجية". هذه المبادرة، التي بدت في ظاهرها حلاً سلميًا للأزمة، كانت في جوهرها فخًا سياسيًا محكمًا، مكن جماعة الإخوان من التغلغل في مفاصل الدولة وشرعن وجودهم داخل السلطة، رغم تاريخهم الأسود في التحريض والتكفير وإثارة الفتن.
بمجرد أن وطأت أقدامهم دوائر الحكم، بدأت مرحلة جديدة من الفوضى المنظمة: تفجيرات استهدفت رموز الجيش والأمن، واغتيالات طالت الضباط والمثقفين، وسلسلة من عمليات الإقصاء الممنهجة لكل من لا ينضوي تحت عباءتهم. لقد تحول المشهد السياسي إلى ساحة تصفية حسابات، وكان المواطن اليمني هو الضحية الأولى.
ولم يكن هذا الانزلاق نحو الفوضى وليد صدفة، بل كان جزءًا من مخطط خارجي محكم، رعاه السفير الأمريكي آنذاك، جيرالد فايرستاين، الذي لم يُخفِ دعمه للإخوان، وكان بمثابة الحاكم الفعلي للقرار السياسي في اليمن خلال تلك الفترة. فايرستاين، الذي لم يكن سوى أداة تنفيذية لمشروع صهيوني–أمريكي، رأى في الإخوان حلفاء طيعين يمكن من خلالهم إعادة تشكيل الخارطة السياسية في اليمن بما يخدم مصالح واشنطن وتل أبيب.
ولو تحقق لهم ما أرادوا، لكانت صنعاء اليوم على غرار ما آلت إليه مدن سورية التي سقطت في قبضة التكفيريين، تعاني القتل على الهوية، والسحل في الشوارع، وانتهاك الأعراض كأداة حرب. لقد كان المشهد مرعبًا ينتظر لحظة الحسم، لحظة القبض الكامل على العاصمة، لتبدأ أبشع فصول الإبادة والتطهير المناطقي والمذهبي.
لكن إرادة الله، ثم وعي الشعب اليمني، كانت لهما الكلمة الفصل. فقد أدرك عقلاء المؤتمر الشعبي العام أن صالح لم يعد قادرًا على المواجهة، وأن بقاءهم في صفه يعني تسليم صنعاء تدريجيًا لمخطط الإخوان. وهنا بزغ فجر ثورة 21 سبتمبر المجيدة، التي حفظت لليمن كرامته، وصانت الأرض والعرض، وأسقطت مشروع الإخوان التدميري.
لم تكن معركة صنعاء مع الإخوان مجرد صراع سياسي عابر، بل كانت معركة وجود وهوية وكرامة. ولولا يقظة الأحرار من رجال العاصمة وقبائل الطوق وشجاعة أنصار الله، لكان اليمن اليوم ساحة جديدة من ساحات السبي والذبح والانتهاك. لقد سطّر الشعب اليمني ملحمة تاريخية، أثبت فيها أن السيادة لا تُمنح، بل تُنتزع، وأن العواصم التي تحفظ ماء وجهها لا تُدنسها مشاريع الغدر ولا تسقطها صفقات السفراء. واليوم، بعد أن انكشفت الحقائق وسقطت الأقنعة، لا بد أن يُسجَّل في كتب التاريخ أن صنعاء لم تُنقذ بالسلاح فقط، بل بالكرامة والإرادة والوعي.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب