"دول وظيفية" صنعها الغرب لخدمة مصالحه.. الخليج و"إسرئيل" انموذجًا ! ..
السياسية || صلاح المقداد*
كثيرون قد يجهلون والبعض قد لا يعرفون أن هُناك أنظمة وكيانات مُحددة ومعروفة في العالم بأسمائها وصفاتها، تم إنشائها وتأسيسها في فترة تاريخية حرجة ومفصلية لإداء دور وظيفي مُعين يقتصر عليها وحدها، وهذه الدول والأنظمة العميلة هي من أنيط بها أدوار محددة تلعبها أو كُلفت بما تنفذه من مهام وظيفية من قبل الأسياد في دول الغرب الإستعماري الذين كان لهم الفضل عليها في الظهور والإستمرار والقيام بممارسة المهام التي كُلفت بها، وتبقى بنظر الغرب مجرد ظل وتابع حقير وخادمة مُخلصة ومُطيعة لمصالحه ، وتنفد ما تُومر به دون أي نقاش أو اعتراض.
وفي عالمنا اليوم نماذج وأمثلة حية كثيرة لتلك النوعية الرخوة والهجينة من الدول والممالك والأنظمة المصنوعة بأيادي المُستعمر الغربي كأدوات طيعة له وتدور في فلكه ذات اليمين وذات الشمال وتُسبح بحمده آناء الليل وأطراف النهار ، ومنها دول عربية وإسلامية كمملكة الرمال المتحركة في الجزيرة العربية ( مملكة آل سعود) التي كانت صنيعة بريطانية بإمتياز، ومشيخات وإمارات نفطية خليجية صغيرة في كل شيء وغنية بالنفط، كدويلة الأمارات التي تم اقتطاعها من سلطنة عمان وتشمل مساحتها ما كان يعرف سابقاً بالساحل الشرقي لعمان، وتضم ست مشيخات وإمارات صغيرة هي : أبو ظبي ودبي والشارقة والفجيرة ورأس الخيمة وأم القوين.
ومن بين "الدول الوظيفية" التي صنعتها بريطانيا والغرب في المنطقة وفرضتها كأمر واقع، مشيخة قطر الصغيرة الواقعة على ضفاف الخليج، وهي إمارة صغيرة ومحدودة المساحة والسكان وكبيرة الثروة، ويوجد بها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية بالمنطقة، وما يُسمى بمملكة البحرين الصويغرة جداً، بل هي أقل من أن تسمى مملكة وكان الأجدر أن تُسمى "حارة البحرين" لا مملكة البحرين، ومملكة الأشراف الهاشميين التي أنشأتها بريطانيا في الأردن بعد أن تحالفت وأتفقت مع عبد العزيز آل سعود على طردهم من الحجاز واسقاط دولتهم هناك.
بيد أن الكيان الصهيوني الغاصب في فلسطين، تبدو وتبقى من أهم وأبرز وأخطر "الكيانات الوظيفية" التي صنعها الغرب الصليبي الإستعماري في المنطقة، ويؤكد كما يحرص على حمايتها ودعمها ومساندتها، وإبقائها مميزة ومتفوقة على جيرانها العرب، ويعتبرها جزء لا يتجزأ منه وتعبر عنه وتنتمي إليه وإلى حضارته وتحن بحنينه، ولا يمكن أن يسمح الغرب بوجود أي خطر قد يتهددها ويمسها بضر .
على أن تلك الكيانات السياسية المصنوعة بأيادٍ غربية وأمثالها، وخاصة العربية والإسلامية منها، ليس لها كبقية الدول سيادة وطنية وحق حرية اتخاذ القرار، ولهذه الكيانات صلاحيات محدودة في اتخاذ القرارات السيادية، ولا يسمح لها الغرب بتجاوز حدود دورها المرسوم الذي تُؤديه، ولا يصدر عن تلك الدويلات شيء له صداه وأثره إلا بموافقته سلفًا، ولا غضاضة من القول إن هذه النوعية من "الكيانات الوظيفية" عبارة عن كانتونات سياسية ومصدر للثراء والثروة بفضل الطفرة النفطية التي تشهدها منذ عقود، ويمكن اعتبارها بمثابة جاموسة يحلب الغرب حليبها ويستفيد من كل ما تدر به عليه من حليب ولحوم وخلافه، وفي الأربعة العقود الزمنية الأخيرة لعبت هذه الدويلات المحسوبة على الأمة العربية والإسلامية بالإسم دوراً خطيراً في التآمر على القضايا العربية العادلة وعلى رأسها قضية فلسطين، وساهمت بشكل لافت في إفراغها من محتواها الوطني والنضالي والجهادي، وطبعت سراً وجهراً علاقاتها مع الكيان الصهيوني الغاصب وصارت من حلفائه الإستراتيجيين، وليس هذا فقط بل إن دول صغيرة من النوعية إياها كقطر والأمارات مثلاً تصدرت المشهد السياسي العربي، وحلت محل دول عربية كبيرة لها ثقلها وحجمها ووزنها وتاريخها في المنطقة كمصر والعراق وسوريا، وعملت بالتنسيق مع الغرب والصهاينة على اشغال تلك الدول العربية الكبيرة وإغراقها بمشاكلها الداخلية وتكبيلها بالقيود ومحو أي أثر أو دور لها .
وهذه "الكيانات الوظيفية" كما هو معلوم تحكم شعوبها بدون دستور ولا تعرف مصطلح اسمه "انتخابات" ، والأدهى والأنكى أنها لا تملك لنفسها ضراً ولا نفعًا إلا بأمر وموافقة ومزاج من أوجدوها من عدم وأرادوا لها بهذا الوجود الشائه والناقص أن تكون لها ذيلاً وذنبًا ، ولها مهمات وظيفية رُسمت وحُددت سلفًا، وليس لها خيار آخر غير أن تبقى كذلك، بإستثناء "إسرائيل" التي تحظى بمعاملة خاصة من الغرب وأمريكا ولها امتيازات وأفضلية على سواها من "الكيانات الوظيفية" التي تؤدي دورها المحدد والمُناط بها الذي تلعبه على مسرح التاريخ والأحداث في العالم ، كما يحب الغرب ويرضى .
وكما هو معلوم للجميع، فبرغم انسحاب وجلاء جنود الإحتلال البريطاني من تلك الدول قبل عقود ومُنحت استقلالاً صوريًا في الظاهر، إلا أنها لا تزال مستعمرة ومنتهكة الحقوق والسيادة والكرامة الوطنية ومستباحة الثروات والحقوق من قبل مُستعمريها، وهم يتدخلون حتى اللحظة في كل كبيرة وصغيرة فيها، وقد فرضوا عليها أن تظل دائرة في فلكهم ومُجرد تابع ذليل لهم.
ويبدو أن الغرب الإستعماري خاصة اليوم راضٍ كل الرضى عن تلك الدول الوظيفية التي جعلها من مُلحقاته، أو بمعنى آخر أدق وأوضح فإن تلك الأدوات الطيعة الرخيصة التي يحركها الغرب كيف يشاء ومتى شاء، لازالت تؤدي ما كُلفت به من مهام على أكمل وجه، ووفقًا لما رسمه وخطط له منذ أمد بعيد .
بل أن قناعة الغرب بمرور الزمن ترسخت يوماً بعد آخر أنه كان مُوفق كثيرا في إيجاد ذلك الهجين من الكيانات الوظيفية الرخيصة التي تؤدي نيابة عنه ما يُريده أو ماكان يعتزم القيام به، ولا يحتاج الأمر منه إلى ارسال الجيوش وحشد الحشود، فقط يكفيه قليل من التوجيهات والتغييرات والتعديلات للخطط والبرامج التي كلف بها أدواته إياها كلما دعت الحاجة وبحسب ظروف كل مرحلة ومستجد وطارئ .
ومن الأهمية بمكان الإشارة ضمن السياق هُنا إلى أن مُصطلح وفكرة "الدول الوظيفية" التي طبقها الغرب على أرض الواقع تعود إلى فترة الحقبة الإستعمارية والمرحلة التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية تحديداً، وهي فكرة شيطانية جهنمية بريطانية ازدادت وتعاظمت أهميتها لدى بريطانيا وبقية دول الغرب في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية وشروع المنتصرين في تلك الحرب في تقاسم الغنائم وإعادة رسم خارطة المنطقة العربية والإسلامية وفق مفهوم ورؤية جديدة ، وفرض تسمية جديدة للمنطقة عرفت بـ "الشرق الأوسط" وتدخل ضمن هذا الإطار والبرواز لصورة المنطقة إلى جانب البلدان العربية كـ"إسرائيل" وتركيا وباكستان وإيران وأثيوبيا كقوى اقليمية منافسة للعرب .
وجاء هذا التقسيم وإعادة رسم خارطة ما أطلقوا عليه "اسم الشرق الأوسط" تلبية لمتطلبات إقتصادية وسياسية وعسكرية واجتماعية ، وحتى دينية، كما جاء لغايات وأغراض تخدم ذات الفكرة الإستعمارية القديمة الجديدة وتلبي متطلباتها على المدى القريب والبعيد .
وقد اقتضت الحاجة والضرورات آنذاك بالنسبة لبريطانيا والغرب عامة ايجاد "كيانات وظيفية" جديدة مُطيعة رأى أن يفرضها في الخارطة الجديدة للمنطقة، وبالتزامن مع ذلك قام الغرب الإستعماري حينها بإسقاط دول وممالك معروفة كانت قائمة وعمل على انشاء بديلاً لها بمسميات جديدة حتى يضمن أكثر حماية مصالحه وخدمتها بعد أن سحب جيوشه من تلك البلدان التي كان يحتلها .
وللحديث المُتشعب عن فكرة "الكيانات الوظيفية" بقية، والحقيقة تبقى ناقصة من دون استكماله حتى النهاية ! .
*المقال يعبر عن رأي الكاتب