من أم الرشراش إلى حيفا.. اليمن يوسّع عمليات استهداف المصالح الحيوية للعدو
السياسية - تقرير ||
في تحول نوعي لمسار العمليات العسكرية اليمنية الداعمة للشعب الفلسطيني، أعلنت القوات المسلحة فرض حظر بحري على ميناء "حيفا"، أحد أهم الموانئ الحيوية التابعة لكيان العدو الصهيوني، بشقيه الاقتصادي والعسكري، ليُشكل هذا الإعلان خطوة استراتيجية متقدمة في الانتقال إلى مرحلة أشد حساسية وأوسع تأثيراً.
فرض الحظر على ميناء حيفا خطوة جديدة ضمن تصعيد مدروس لعمليات الردع اليمنية، التي بدأت بإغلاق ميناء "أم الرشراش" وإفلاسه تجارياً، وامتدت إلى الحظر الجوي المفروض على مطار "بن غوريون"، ما يمثل تحركاً عسكرياً مدعوماً بتوجيه سياسي عالي المستوى، يهدف للضغط على كيان العدو لوقف عدوانه الهمجي على قطاع غزة ورفع الحصار عنه، في ظل صمت دولي مطبق وتخاذل عربي مريب تجاه الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين.
هذا القرار يُجسّد تناغماً واضحاً بين الرؤية العسكرية والقرار السياسي في صنعاء، ويعكس في الوقت ذاته فهماً عميقاً لطبيعة المعركة مع العدو الصهيوني، وإدارة واعية لمراحلها، تواكب مستوى التصعيد الإسرائيلي في غزة، وترد على الاعتداءات المتكررة على اليمن، بما فيها استهداف موانئه البحرية والجوية.
تكمن الأهمية الحيوية لميناء "حيفا"، الواقع شمال غرب فلسطين المحتلة، في كونه من أكبر الموانئ الإسرائيلية وأكثرها نشاطاً من النواحي الاقتصادية والجغرافية والتجارية، إضافة إلى كونه منفذاً بحرياً مركزياً في شرق البحر المتوسط، ترتبط به صفقات تجارية ضخمة قادمة من آسيا وأوروبا، ويوصف بأنه شريان التجارة الإسرائيلية.
إعلان القوات المسلحة اليمنية الحظر على ميناء "حيفا" يمثل نقلة نوعية في قواعد المعركة، وانتقالاً من الأساليب التقليدية إلى معادلة جديدة، ذات أبعاد مركبة تتقاطع فيها الحسابات العسكرية مع المعطيات الاقتصادية والسياسية، بما يضع الكيان الصهيوني في زاوية حرجة ويهدد بنيته التحتية الحيوية بصورة مباشرة.
يرى محللون استراتيجيون، أن خطورة الميناء لا تكمن فقط في دوره التجاري، بل تتجاوز ذلك إلى كونه مكوّناً رئيسياً فيما يسميه العدو بـ"أمنه القومي"، إذ يضم مصانع وشركات مرتبطة بصناعة المواد الكيميائية والأسلحة النووية، ومقرات للغواصات الحربية المعدة لحمل صواريخ نووية، فضلا عن أحواض لصناعة السفن العسكرية.
ووفقًا لوسائل إعلام إسرائيلية، أبرزها صحيفة "هآرتس"، يحتضن الميناء منشآت خطرة تشمل مصانع بتروكيماويات، ومخزونات أمونيا وميثانول، وخزانات نفط ضخمة، ما يجعله هدفاً ذا طابع استراتيجي بالغ الحساسية ويشكل تأمينه عبئاً ثقيلًا على كيان العدو، سيما بعد إخفاق منظوماته الدفاعية، وعلى رأسها "القبة الحديدية"، في التصدي لصواريخ اليمن الدقيقة والموجهة.
وتمضي صنعاء بثبات في فرض الحصار على موانئ العدو في الأراضي المحتلة، التي كانت تُعّد من أكثر موانئ العالم أمناً، لتتحول اليوم إلى أهداف مفتوحة أمام الصواريخ اليمنية، بعد امتلاك اليمن تقنيات متطورة، أبرزها الصواريخ الفرط صوتية، القادرة على إصابة الأهداف بدقة بليغة، وإحداث شلل شبه كامل في حركة الملاحة والتجارة في مرافئ العدو.
يأتي هذا التقدم العسكري في سياق موقف سياسي ثابت للقيادة اليمنية، ممثلة بالسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، التي مواقف الدول العربية والإسلامية بوضوح، من خلال دعم حقيقي وفعّال للمقاومة الفلسطينية على المستويات السياسية والعسكرية والإعلامية، بعيداً عن الخطابات التقليدية والبيانات المكررة التي أثبتت عقمها.
كما تعكس العمليات اليمنية المتصاعدة مستوى عالياً من الجهوزية العسكرية والإرادة الوطنية، وتُبرز اليمن كقوة إقليمية فاعلة، لها تأثيرها المباشر في المعادلات الإقليمية والتوازنات الجيوسياسية القائمة، بما يُثبّت قدرتها على إعادة تشكيل الوقائع الميدانية والسياسية في المنطقة.
ومع تصاعد وتيرة العدوان الصهيوني على غزة منذ 7 أكتوبر 2023م، تتزايد مؤشرات الانهيار الأمني والاقتصادي داخل كيان العدو، في ظل تعاظم عمليات الردع اليمنية، التي تؤكد أن استهداف المصالح الحيوية للكيان لم يعدّ خطاً أحمراً، وأن معادلة الرد اليمني دخلت مرحلة جديدة أكثر جرأة ومباغتة.
وما يزال اليمن يحتفظ بالكثير من المفاجآت التي توعّدت بها القيادة الثورية والسياسية والعسكرية العليا وأكدت أن القادم سيكون أكثر تأثيراً على مراكز القرار الصهيونية، وأن جميع المنافذ الحيوية للعدو، الجوية والبحرية، أصبحت تحت مرمى الصواريخ اليمنية، في رسالة واضحة بأن كل محاولة لاستمرار العدوان، ستقابل برد يتجاوز المتوقع.
لقد أعاد اليمن الاعتبار لدوره القومي، وحضوره السيادي في معادلة الردع الإقليمي، وأثبت أن الإرادة الصادقة، حين تتسلح بالإيمان والوعي والاستعداد، يمكنها أن تفرض معادلات جديدة وتُربك حسابات أكبر كيان غاصب في المنطقة.