سيف بن سلمان يضرب آل سعود: خريف الأمراء في السعودية
السياسية || محمد محسن الجوهري*
خلال زيارة ترامب الأخيرة للرياض، كان من الملاحظ غياب أمراء آل سعود وعدم مشاركتهم في الاجتماع بالرئيس الأمريكي، بخلاف ما حدث في زيارته الأولى عام 2017، حيث اكتظ الاستقبال بالمئات منهم، لكنه هذه المرة اقتصر على أبناء الملك سلمان دون غيرهم، وما بين الزيارتين ثمة الكثير من الأحداث والإجراءات التي شنها ولي العهد ضد أبناء عمومته، شملت الاعتقال والخطف والعزل وغيرها من وسائل التخويف من أجل الاستفراد بالحكم وحصره على فرع واحد من أبناء الملك عبدالعزيز دون غيرهم من الفروع الستة والثلاثين الأخرى.
لم يكن أحد يتخيّل حتى داخل القصور الملكية في الرياض، أن يأتي يوم يُصبح فيه الانتماء إلى أسرة آل سعود عبئًا لا ميزة، وخطرًا لا امتيازًا. فلعقود طويلة، كانت الأسرة المالكة السعودية مرادفًا للحصانة والسلطة والثروة، ولكن منذ اعتلاء الملك سلمان بن عبد العزيز العرش في يناير 2015، وتحوّل نجله محمد بن سلمان إلى الحاكم الفعلي للبلاد، تغيرت ملامح الحكم، وتبدّلت قواعد اللعبة السياسية داخل البيت الملكي.
اعتمد محمد بن سلمان، الذي أصبح وليًا للعهد في 2017 بعد إزاحة ابن عمه محمد بن نايف، على نهج مركزي صارم في إدارة الحكم. لم يقتصر الأمر على إعادة توزيع السلطات والمناصب فحسب، بل شمل أيضًا تصفية مراكز القوة المحتملة داخل العائلة نفسها، سواء عبر الاعتقالات أو النفي أو الإخفاء القسري. وما بين 2015 و2020، تحوّلت القصور من أماكن امتياز إلى ساحات شبهة وشكوك.
في سبتمبر 2015، اختفى الأمير سعود بن سيف النصر بن عبد العزيز، أحد أحفاد مؤسس المملكة. كان قد عبّر علنًا عن اعتراضه على التدخل العسكري في اليمن، وطالب بإقالة الملك سلمان نفسه في سلسلة من التغريدات. لم تدم حريته طويلًا؛ إذ تم استدراجه إلى خارج المملكة (يُرجّح إلى إيطاليا) ثم اختُطف ونُقل إلى الرياض، ولم يُعرف عنه شيء منذ ذلك الحين. كانت هذه أولى الرسائل الصارمة: لا مكان للمعارضة حتى من داخل الدم الملكي.
بعده بوقت قصير، جاء الدور على الأمير سلطان بن تركي الثاني بن عبد العزيز، الذي عاش سنوات في المنفى الأوروبي وكان قد تحدث في عدة مناسبات عن الفساد داخل الدولة. في عام 2016، وبينما كان في طريقه إلى القاهرة، حوّلت طائرته الخاصة وجهتها إلى الرياض، واختفى فور وصوله. كانت تلك الحادثة صادمة للمراقبين، خاصة أنها تكررت لاحقًا مع أمراء آخرين، مما أثار تساؤلات عن "الدبلوماسية القسرية" التي انتهجتها الرياض تجاه أمرائها المنفيين.
الأمير تركي بن بندر بن محمد بن عبد الرحمن آل سعود، الضابط السابق في الشرطة السعودية، كان قد بدأ بنشر مقاطع فيديو على الإنترنت ينتقد فيها ما وصفه بالقمع الداخلي والتضييق على الحريات. تم اعتقاله في المغرب عام 2016 وتسليمه للسعودية، ومنذ ذلك الحين لم يظهر علنًا. حاله كحال آخرين مثل الأمير المعروف بلقبه "غزالان" ووالده، اللذين طالتهم الاعتقالات عام 2020 في حملة غامضة شملت أسماء من الجيل الثالث داخل الأسرة الحاكمة.
ومن أبرز الشخصيات التي اصطدمت مباشرة مع خط الصعود الجديد كان الأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز، نجل الملك الراحل فهد، الذي عرف بثروته الطائلة ونفوذه في مرحلة ما قبل 2015. بعد أن نشر تغريدات تضمنت انتقادات غير مباشرة للسياسات الجديدة، اختفى فجأة، ثم ظهر لاحقًا في صورة باهتة التقطت له على هامش مناسبة عائلية، لكن تقارير متعددة أشارت إلى أنه يعيش تحت الإقامة الجبرية، بعيدًا عن الأضواء، بعد أن كان أحد نجوم الدولة في التسعينيات.
الأحداث بلغت ذروتها في مارس 2020، حين اعتُقل ثلاثة من أبرز الأمراء دفعة واحدة في حملة فاجأت الداخل والخارج. تم القبض على الأمير أحمد بن عبد العزيز، الشقيق الأصغر للملك، الذي لطالما اعتُبر الشخصية الأكثر تأهيلاً لتولّي العرش حال حدوث أي فراغ. كما شملت الحملة الأمير محمد بن نايف، ولي العهد السابق الذي تمت إزاحته لصالح محمد بن سلمان في 2017، والأمير نواف بن نايف. الحملة وُصفت بأنها "ضربة استباقية" لإغلاق الباب أمام أي بدائل محتملة داخل الأسرة، خاصة في ظل الحديث عن ترتيبات جديدة للعرش.
كما تم اعتقال الأمير فهد بن تركي بن عبد العزيز، قائد القوات السعودية في اليمن، بتهم فساد، إلى جانب نجله الأمير عبد العزيز، نائب أمير منطقة الجوف آنذاك. ورغم أن الأسباب المعلنة كانت إدارية، إلا أن التوقيت والسياق السياسي أوحيا بأن الأمر يدخل ضمن إعادة ترتيب مراكز النفوذ.
في ظل هذه الأجواء، يعيش عدد من أمراء آل سعود في المنافي الطوعية، أبرزهم الأمير خالد بن فرحان آل سعود، الذي يقيم في ألمانيا، ويدلي بتصريحات نارية بين الحين والآخر، محذرًا مما يصفه بـ"تفكك محتمل داخل الأسرة بسبب الاستبداد".
النتيجة التي خلصت إليها هذه الأحداث المتراكمة، أن العائلة التي حكمت المملكة منذ تأسيسها عام 1932 على قاعدة التوافق النسبي وتوزيع الامتيازات، وجدت نفسها خلال أقل من عقد في قلب صراع داخلي غير مسبوق. صراع أخرج الشراكة التاريخية من معادلة الحكم، واستبدلها بسلطة سلمانية صارمة تدير الدولة كما تُدار الشركات، لا كما تُحكم الأوطان والشعوب.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب