ثمن النظام الجمهوري في اليمن.. عقوبات اقتصادية وتدخلات سعودية لا تنتهي
السياسية || محمد محسن الجوهري*
فعلياً، لم تعرف اليمن النظام الجمهوري بمعناه الحقيقي، والسبب وجوده بالقرب من أعتى الأنظمة الملكية المستبدة في العالم، والتي تحظى بدعم مطلق من الغرب الذي بدوره له الحق في تصنيف الأنظمة حسب مصالحه لا مصالح شعوب المنطقة، ولهذا كان للأنظمة الملكية المجاورة لليمن الحق في إجهاض أي تجربة ديمقراطية على أرضه دون حسيب أو رقيب، ونجحت في فرض الوصاية على البلاد لدرجة تعيين الحكام أو عزلهم، وفي بعض الأحيان تصفيتهم جسدياً، كما حدث للرئيس إبراهيم الحمدي في صنعاء، ونظيره سالم ربيع علي في عدن.
وعندما أدرك النظام المستبد في الرياض بأن اليمن قد خرج عن بيت الطاعة السعودي بعد ثورة 21 سبتمبر 2014، تحرك على الفور، وبغطاء غربي مطلق، لإعادة اليمن إلى مرحلة الهيمنة الخارجية بالقوة، ومن هنا كانت عاصفة الحزم التي طالت لنحو ثمان سنوات، وتسببت في كارثة إنسانية هي الأكبر في العالم حتى تاريخ 7 أكتوبر 2023، ونجحت السعودية إلى حدٍ كبير في تجزئة الشعب والجغرافيا اليمنية إلى مناطق متناحرة، بما في ذلك تلك الخاضعة لسيطرة الفصائل الموالية للرياض وأبوظبي، حيث تعيش فيما بينها صراعاً دموياً ورافقه انهيارات أمنية واقتصادية ضاعفت معاناة المواطن اليمني في المناطق المحتلة، ولم ينجُ من تلك المأساة سوى المواطن في المناطق الحرة تحت إدارة حكومة صنعاء، فرغم الحصار والعدوان لا يزال الوضع الأمني والمعيشي أفضل بمرات عديدة من نظيره في المحافظات غير المحررة.
العدوان السعودي – الإماراتي لم يبقِ أي شكل للنظام الجمهوري في المناطق الخاضعة لسيطرته وسيطرة المرتزقة المواليين له، فقد أدى إلى تفكيك البنية الجغرافية والسياسية للدولة اليمنية، وتحويلها إلى كانتونات متناحرة تحكمها تشكيلات عسكرية غير منضبطة، مثل قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن، وقوات العمالقة وقوات درع الوطن وغيرها، التي كثيرًا ما تتصادم في ما بينها على النفوذ والثروات، وتخوض معارك دموية، تُزهق فيها الأرواح بلا حساب.
هذا التشرذم العسكري صاحبته فوضى أمنية واسعة، حيث تنامت معدلات الجريمة، والاغتيالات، والاختطافات، وتجارة السلاح والمخدرات، في ظل غياب شبه تام لمؤسسات الدولة القضائية والرقابية. وتشير تقارير منظمات حقوقية دولية، مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، إلى أن هذه المناطق باتت مرتعًا لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب في السجون السرية، وتجنيد الأطفال، والانتهاكات بحق النساء.
أما على المستوى الاقتصادي، فقد انهارت العملة المحلية في المناطق المحتلة بشكل غير مسبوق، نتيجة طباعة كميات ضخمة من النقد دون غطاء، مما تسبب في تضخم خانق، وارتفاع جنوني في أسعار السلع والخدمات الأساسية. وتعجز حكومة المرتزقة عن صرف مرتبات الموظفين، أو تقديم خدمات حقيقية، رغم دعمها الخارجي الكبير، وهو ما أدى إلى تفشي الفقر والمجاعة، لا سيما في محافظات عدن، تعز، شبوة، وحضرموت.
لقد كلف السعي نحو نظام جمهوري حقيقي، اليمن أثمانًا باهظة، ليس لأن التجربة فشلت بذاتها، بل لأنها حوربت من الخارج بلا هوادة. فاليمن لم يُمنح يومًا الفرصة الكاملة ليبني جمهوريته المنشودة، بل ظل هدفًا لتدخلات جعلت من سيادته رهينة، ومن مؤسساته مسلوبة الإرادة. وإذا كان لليمن أن ينهض، فلن يكون ذلك إلا بإنهاء الوصاية الخارجية، وتثبيت إرادة مستقلة، تصنع القرار من داخل الوطن لا من خارجه، كما هو مشروع الثورة الشعبية في 21 سبتمبر 2014، والذي أثبت أهميته بمستوى ما واجهه من ردود فعل من قبل الدكتاتوريات العربية المدعومة من واشنطن.
وهذه الثورة كفيلة بأن تجعل من اليمن بلدًا مستقلًا من جهة، وأمة قوية وفاعلة من جهة أخرى، لها دور محوري في تحرير العالم العربي من الوصاية الغربية. وقد تجلى ذلك بوضوح في المواقف المشرفة التي اتخذها الشعب اليمني دعمًا لغزة بعد أكتوبر 2023، وهي مواقف ما كان لليمنيين أن يعبّروا عنها بهذا الزخم لولا هامش الحرية الذي وفّرته لهم ثورة 21 سبتمبر. ويشهد على ذلك واقع المواطنين في المحافظات المحتلة، الذين يُحرمون حتى من أبسط الحقوق في التعبير عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني، في ظل القمع والتضييق الذي تمارسه السلطات الموالية للتحالف.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب