السياسية : تقرير || صادق سريع*

بعد تلقيها دروساً عسكرية تخصصية في "مبادئ احترام سيادة الشعوب" من اليمنيين في البحر الأحمر، غيّرت بريطانيا برستيج تعاملها مع الجمهورية اليمنية، من لغة القوة إلى دبلوماسية التأدب وطلب الإذن المسبق من سلطة صنعاء لفتح بوابة البحر الأحمر لعبور حاملة الطائرات "كوين إليزابيث" من باب المندب.

هذه المعلومة الجديدة نشرها عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي، بتغريدة على حسابه بمنصة "X"، في 31 مايو 2025، قائلاً: "تم التواصل بالجمهورية اليمنية بخصوص مرور حاملة الطائرات البريطانية "HMS" بأنها ستعبر للمناورة ولن تنفذ أي عمليات قتالية في البحر الأحمر، وتم إبلاغهم من قِبل القوات المسلحة اليمنية بالسماح بالمرور ما دامت في مهمة غير قتالية أو توجه عدواني لاعتراض القوات المسلحة عن إسناد غزة التي تُباد من الكيان".

التغريدة لم تكن حدثاً عادياً، بل رسالة سياسية اخترقت أعراف البروتوكول السياسي بالاعتراف الضمني من بريطانيا بشرعية سلطة صنعاء في اليمن كونها القوة الفعلية التي تمنح إذن المرور الآمن للسفن من البحر الأحمر، عدا التي تهدد الأمن القومي للبلاد والمعادلة التي فرضتها صواريخ ومسيّرات اليمن على الكيان في معركة الإسناد لغزة.

هذا الطلب التاريخي المُذل لبريطانيا العظمى من اليمن، ولأول مرة في تاريخها، لم يأتِ صدفة أو ضمن أخلاقيات البروتوكول الدبلوماسي الخاص بها، بل من تجربة واقعية ومواجهات عسكرية حامية الوطيس بين قوات صنعاء وبحريات لندن وواشنطن ويافا المحتلة وعواصم أخرى، وكلها فشلت في حماية نفسها والدفاع عن "إسرائيل" وسفنها والمتوجهة إليها عبر البحر الأحمر.

وقد أثبت الطلب اللندني من صنعاء، قوة قدرات الأخيرة في إجبار من كانت تُلقب بسيدة البحار والمحيطات، بريطانيا العظمى التي لا تغيب عنها الشمس، على تفعيل بروتوكول الاستئذان الدبلوماسي القسري المسبق، ما يُعد اعترافاً ضمنياً بسلطة صنعا للعالم أن السيادة على البحر الأحمر هي لحضرة الجمهورية اليمنية العظمى بلا منازع.

الحقيقة الثابتة هي أن القوات المسلحة اليمنية أعادت تعريفات قواعد الاشتباك، وغيّرت المعادلات العسكرية والسياسية في المنطقة، وأجبرت قوى العدوان على احترام سيادة الدول وحق الشعوب، ومراجعة سلوكها وتغيير خريطة القوى الحُرة والمُنذلة في ذهنيتها وخططها العسكرية والجيوسياسية، وفق تحديثات العام 2025.

أما التحديث الأخير في موازين القوى بالمنطقة بحد ذاته، يُعد تحولاً كبيراً في تغيير معادلات السيادة البحرية، وإظهار القوة الفعلية لليمن كضابط إيقاع للأمن البحري، في مهمة الشرطي البحري الوحيد في البحر الأحمر، الذي لا يستثني فرض القانون على الجميع، حتى القوى العظمى.

إن إتقان قوة صنعاء فنّ فرض معادلات الردع وتوازن القوة في عمليات إسناد غزة ضد عدوان أمريكا وبريطانيا و"إسرائيل"، ودول حليفة لواشنطن، في مواجهات استمرت 18 شهراً في البحر الأحمر، أجبر القوى المعادية ومدمراتها وحاملات طائراتها العملاقة على الهروب المُذل، والانسحاب القسري، وإعلان وقف العدوان على اليمن.

تقول الباحثة البريطانية إليزابيث كيندال في جامعة كامبريدج لصحيفة "هآرتس" العبرية: "اليمنيون يتمتعون بمزايا إستراتيجية: الجغرافيا تمنحهم غطاءً طبيعياً، ومزايا استخباراتية هائلة، والخبرات المتراكمة، والصمود الأسطوري أمام عدوان شرس بقيادة السعودية، وخاصيات النفس الطويل، والعقيدة القتالية المبنية على الإيمان، وتجاوز تكتيكات الإنهاء السريع للصراعات".

وتُضيف: "إن تجاهل قوة صنعاء في خطط إعادة رسم معادلات المنطقة يُعد خللاً بنيوياً في الفهم الغربي لتوازنات القوة، بعد أن تغيّرت قواعد اللعبة، ومن لم يقرأ خارطة النفوذ الجديدة، سيُعيد ارتكاب أخطاء أفغانستان والعراق، ولكن هذه المرة من البحر".

من تلك الحقائق، اضطرت لندن إلى فتح قناة دبلوماسية للتواصل مع اليمن المحاصر والمنهك بحروب عدوانية لعشر سنوات، لطلب المرور الآمن الذي عجزت عن تحقيقه بقوتها العسكرية، في ظل استمرار صنعاء في مواجهة أعتى جيوش العالم إسناداً لغزة وكل فلسطين، بموقف عربي مشرّف قلّ نظيره في زمن الخذلان والصمت المخزي للعالم.

خلاصة القول: "أنه بات من الصعب تجاهل قوة صنعاء المتنامية، بعد نجاحها في إعادة هندسة معادلات الردع في البحر الأحمر والمنطقة، وأجبرت واشنطن ولندن على تغيير نمط الخطاب معها وفق المعادلة التي فرضتها (وقف الهجمات على سفن "إسرائيل" مقابل وقف العدوان على غزة)، قبل بدء النزال وفي ميدان القتال الذي تمت فيه بنجاح، عملية ضرب رأس الأفعى، أمريكا".