الحج بين الدم والمال.. مأساة بيت الله الحرام في عهد آل سعود
السياسية || محمد محسن الجوهري*
في ذاكرة الأمة الإسلامية، كان من المفترض أن يكون الحج موسمًا مقدسًا للوحدة والصفاء الروحي، حيث يتساوى الغني والفقير، والأسود والأبيض، في صفوف متراصة تحت ظل الكعبة المشرفة، دون تمييز أو تحيز، متحدين في خشوعٍ وانكسار أمام خالق الأكوان. لكن منذ أن استولى آل سعود على الحجاز، تحولت هذه الشعيرة العظيمة إلى أداة قمع، وورقة ابتزاز سياسي، ومسرحاً لسفك الدماء والدموع.
تبدأ صفحات الإجرام السعودي بحق حجاج بيت الله بمجزرة تنومة البشعة عام 1923م، حين أبادت قوات عبد العزيز آلاف الحجاج اليمنيين العزل وهم في طريقهم لأداء الفريضة، في واحدة من أبشع المذابح التي شهدها التاريخ الإسلامي في العصر الحديث. ولم تكن تلك الحادثة الوحيدة التي طُبعت بدم الحجيج، ففي عام 1987م وقعت مجزرة دامية على أرض الحرم، حين قمع النظام السعودي مظاهرات سلمية نظمها الحجاج الإيرانيون رفضًا للهيمنة الأمريكية والاحتلال الإسرائيلي، فزهق فيها أكثر من أربعمائة روح بريئة، معظمهم من الإيرانيين.
ومع مرور السنين، تتابعت الكوارث لتجسد إهمالًا متعمدًا، ففي عام 2015م شهدت منى تدافعًا مأساويًا أودى بحياة أكثر من ألفي حاج، جاء نتيجة سوء التنظيم المتعمد وحرمان الحشود من الوصول إلى الطرق المخصصة لهم، تزامنًا مع مرور موكب ملكي باذخ. تلك المأساة كانت دليلاً صارخًا على الجفاء والجمود الرسميين، وسط تكتمٍ وتعتيم لا ينقطع، ورفض قطعي لأي تحقيق مستقل أو شفافية حقيقية. لا ننسى حرائق وانفجارات ومآسي أخرى، جميعها وقعت في ظل غياب كامل للمحاسبة والمسؤولية.
ولا تقف جرائم النظام السعودي عند حدود المجازر والإهمال، بل تتجاوزها إلى سجون مظلمة، حيث سجّل التاريخ اعتقالات تعسفية بحق حجاج من دول عربية وإسلامية شتى، من اليمن وسورية وليبيا ومصر، بسبب انتماءاتهم السياسية أو ممارستهم شعائر دينية تخالف المذهب الوهابي الرسمي، أو حتى لرفعهم شعارات تنتقد النظام. كما منعت السلطات مئات الحجاج من دول مثل قطر وسورية واليمن من أداء مناسك الحج، ليُستخدم الحج كأداة بيد النظام لفرض حصار سياسي دبلوماسي على الشعوب والأمم.
أما أكثر ما يبعث على الأسى، فهو مصير الأموال الطائلة التي يجنيها النظام من الحج والعمرة، والتي تُقدر بما يزيد على اثني عشر مليار دولار سنويًا، أموال لا تصرف لتحسين خدمات الحجاج أو تطوير البنية التحتية المقدسة، بل تُوظّف في صفقات السلاح الضخمة مع الغرب، وتمويل مشاريع ترفيهية تُغني نخبة النظام وتدعم أجندات اقتصادية وسياسية خارجية، فتتحول دماء الحجيج وصراخهم في ساحات المناسك إلى وقود لماكينات الاستعمار وصناعة الهيمنة.
ورغم كل هذه المآسي والجرائم، لا تزال السعودية ترفض بكل تعنت أي دعوات لتدويل الحرمين الشريفين أو إشراك هيئات إسلامية مستقلة تشرف على إدارة الحج، متذرعة بحماية "السيادة"، في حين أن احتكارها الحصري لهذه الفريضة المقدسة هو الذي جر الأمة الإسلامية إلى هذا الواقع المؤلم، وحول الحج من حق إسلامي جامع إلى ساحة صراع سياسي واقتصادي تديره ما تسمى بـ"خدمة الحرمين" في أجندات لا علاقة لها بالإسلام.
ويبقى السؤال الحارق: هل سيظل بيت الله الحرام محصورًا في قبضة نظام يستغل قدسيته لقمع المسلمين وابتزازهم؟ وهل ستظل دماء الحجاج تسفك في كل موسم دون مساءلة أو إصلاح؟ إن الحج ليس ملكًا لأحد، بل هو حق مقدس لكل مسلم أن يؤديه بسلام وكرامة، بعيدًا عن سفك الدماء، واستغلال الشعائر، وتحويل المآسي إلى أدوات بيع وشراء في أسواق السلاح ونفوذ القوى الاستعمارية.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب