العملية الاستخباراتية الإيرانية: اختراقٌ يعيد رسم قواعد الاشتباك
السياسية :
في عملية استخباراتية وُصفت بأنها واحدة من أكثر العمليات تعقيدًا وجرأة في تاريخ الصراع غير المباشر بين إيران والكيان المؤقت، تمكّنت الجمهورية الإسلامية الإيرانية من تنفيذ اختراق نوعي داخل عمق المنظومة الأمنية الإسرائيلية، أسفر عن الاستيلاء على آلاف الوثائق السرّية، التي تتضمن معلومات تفصيلية عن البرنامج النووي الإسرائيلي، ومواقع الأسلحة النووية، ومكوناتها التقنية.
تناول الباحث في الشؤون الإقليمية کیان الأسدي في مقال تحليلي لوکالة إیسنا الايرانية تداعيات اختراق البرنامج النووي الإسرائيلي خلال العملیة الإستخباراتية الإيرانية وأبعاده السياسية والأمنية، کما یلي:
اختراق ميداني.. لا مجرد تسلل سيبراني
خلافًا لما درجت عليه أغلب العمليات الاستخباراتية المعاصرة، لم يكن هذا الاختراق سيبرانيًا، بل تم عبر عناصر بشرية تمكّنت من الوصول الفعلي إلى الوثائق ونقلها ماديًا إلى الداخل الإيراني، بحسب ما صرحت به وزارة الاستخبارات.
هذا يكشف عن فشل أمني غير مسبوق داخل البنية الاستخباراتية الإسرائيلية، ويعكس قدرة إيران على اختراق مستويات عليا محمية عادة بطبقات متعددة من السرّية والحماية التكنولوجية والبشرية.
لماذا الآن؟.. في التوقيت رسائل تتجاوز التهديد
تأخرت إيران في الإعلان عن هذه الوثائق، لا نتيجة عجز أو تردّد، بل لأسباب أمنية تتعلق بضمان نقل المحتوى وحمايته، ولحسابات سياسية مدروسة جعلت التوقيت جزءًا من الرسالة.
1. فضح النفاق الغربي وتعرية الازدواجية الدولية
إيران تسعى من خلال هذا الكشف إلى فضح السياسات الغربية، التي ترفع راية "منع الانتشار النووي" في وجه البرنامج النووي الإيراني السلمي، بينما تغضّ الطرف عن الترسانة النووية الهجومية للكيان الإسرائيلي.
الوثائق – التي يُنتظر الكشف عن بعضها – قد تشكل ورقة ضغط كبرى في المفاوضات أو ما بعدها، بإثبات أن الحديث عن "شرق أوسط منزوع السلاح النووي" لا يبدأ بإيران بل بإسرائيل.
2. كسر هيبة التهديد العسكري الإسرائيلي
العملية تعني عمليًا أن إيران تعرف مواقع مفاعلات إسرائيل النووية وتفاصيل بنيتها، وهو ما يحوّل تهديدات إسرائيل المتكررة بضرب المنشآت النووية الإيرانية إلى سلاح مرتد.
فالرسالة باتت واضحة: "أي ضربة ضد إيران ستُقابل بضربات ضد قلب منظومتكم النووية"، ما يفرض توازن ردع غير مسبوق.
3. إحراج الوكالة الدولية للطاقة الذرية
في ظل الاتهامات المستمرة التي توجهها الوكالة لإيران بعدم الشفافية، تقدم طهران الآن وثائق تقول للعالم:
"تفتّشون منشآت مفتوحة وتغضّون الطرف عن كيان يمتلك سلاحًا نوويًا هجوميًا خارج أي رقابة".
بهذا، فإن كشف الوثائق سيؤدي إلى ضرب مصداقية الوكالة وإثبات انحيازها السياسي.
معركة العقول تسبق معركة الصواريخ
لم تكن هذه العملية مجرد ضربة استخباراتية، بل حدثًا استراتيجيًا يعيد تشكيل المعادلات الأمنية والسياسية في المنطقة.
إيران لا تحارب بالسلاح فقط، بل بالمعرفة التي تفضح وتُحرج وتُربك، وقد نجحت في إيصال رسالة تقول:
"اليد التي وصلت إلى أعمق خزائنكم قادرة إن لزم الأمر أن تصل إلى منشآتكم النووية نفسها".
وفي زمن تتصارع فيه الروايات قبل الجبهات، تبرز هذه العملية كدليل حي على أن معركة المعلومات قد تكون أكثر حسماً من الضربات الجوية.