السياسية:

في وقت يُفترض أن تكون المساعدات الإنسانية ملاذًا للمنكوبين، تحوّلت مراكز توزيع الغذاء في قطاع غزة إلى مسارح لإعدام جماعي للمدنيين، مشاهد مروعة قادمة من رفح وخان يونس تُظهر أطفالاً يموتون جوعًا، وشبابًا يُستهدفون بالرصاص وهم يلهثون خلف كيس طحين، كل ذلك تحت إشراف مؤسسات أميركية-إسرائيلية تدّعي العمل الإنساني، كيف وصل الحال بغزة إلى أن يتحول الخبز إلى سبب للموت، والمساعدات إلى أدوات حرب؟

مجاعة ممنهجة: أطفال يُقتلون بالجوع

أعلنت مصادر طبية في مستشفى ناصر بخان يونس، جنوب القطاع، عن وفاة طفل جديد صباح اليوم بسبب سوء تغذية حاد، هذه الحالة ليست الأولى، بل هي جزء من سلسلة متواصلة من الوفيات التي تطال الأطفال والرضّع في غزة، في ظل حصار خانق يمنع دخول الغذاء والدواء.

برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة حذر من أن أكثر من 70 ألف طفل يعانون من سوء تغذية حاد في القطاع، وأن 14 ألف رضيع مهددون بالموت في حال استمرار الحصار ومنع المساعدات.

المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، صرّح صراحةً بأن "عمليات الإغاثة في غزة ستتوقف بالكامل إن لم يُسمح بدخول المساعدات والوقود فورًا"، مؤكدًا أن "إسرائيل تمنع وصول الإمدادات وتستخدم الحصار لتضييق الخناق على المدنيين".

القتل عند بوابات الخبز: مراكز التوزيع كمصائد موت

ما تُسمى "المؤسسة الإنسانية لغزة"، وهو مشروع مشترك بين الاحتلال الإسرائيلي وشركة أمنية أمريكية خاصة، بدأ نشاطه في رفح منذ أسبوعين فقط. لكن نتائجه كارثية: 130 شهيدًا وأكثر من ألف جريح خلال محاولات المدنيين الوصول إلى المساعدات.

بيانات رسمية من حكومة غزة أكدت أن 9 مدنيين فُقدوا، ولم يُعرف مصيرهم حتى الآن، المجزرة تتكرر يومًا بعد آخر، وكان آخرها صباح اليوم حين استهدف قناصة الاحتلال مجموعة من الشبان قرب مركز توزيع المساعدات في رفح، ما أسفر عن استشهاد 30 شخصًا وإصابة أكثر من 120 آخرين.

هذه "المناطق الآمنة" التي رُوّج لها كحلّ إنساني، أثبتت سريعًا أنها فخاخ دموية، هجوم آلاف الجوعى على مراكز التوزيع التي فشلت إداريًا وأمنيًا، قابله عنف مفرط من جنود الاحتلال، بينما فشلت الشركة الأمنية الأمريكية في السيطرة على الوضع واضطرت للانسحاب تحت حماية الجيش الإسرائيلي.

حسب حركة حماس، فإن ما يحدث هو جزء من مشروع مدروس لتقويض دور الأمم المتحدة والوكالات الدولية، من خلال استبدالها بمشاريع "إنسانية" تحت سيطرة الاحتلال، الحملة الجديدة للمساعدات ليست سوى واجهة أمنية، تتيح لللكيان الإسرائيلي فرض "مناطق حائل" وهمية هدفها العسكري أكثر من الإنساني.

البيانات الفلسطينية أجمعت على أن هذه المراكز ليست إنقاذًا، بل أدوات إذلال وبوابات موت جماعي، كما دعت إلى تشكيل لجان تحقيق دولية مستقلة لتوثيق ما وصفته بـ"جرائم الإبادة والتجويع المتعمد" التي تُرتكب في هذه المواقع.

سلاح التجويع في يد الاحتلال

تقرير المقرّرة الأممية الخاصة بحق الغذاء لم يكن أقل وضوحًا؛ فقد أكدت أن "إسرائيل" تستخدم التجويع كسلاح ضد المدنيين، ودعت إلى تحرك عاجل من الجمعية العامة للأمم المتحدة لفك الحصار وإنقاذ أكثر من 2.3 مليون فلسطيني محاصر في غزة.

وفي ظل ندرة الغذاء، وانهيار منظومة الأفران، وغياب الأمن، تصبح المساعدات القليلة التي تدخل القطاع أداة سياسية للابتزاز والهيمنة، وليست استجابة لنداء إنساني.

الجريمة مستمرة والعالم يتواطأ بالصمت

ما يحدث في غزة ليس مجرد كارثة إنسانية؛ بل هو جريمة منظمة تُدار بأدوات "إنسانية" مزيفة، التجويع الممنهج، والقتل عند نقاط توزيع المساعدات، وتواطؤ كيانات أمنية أجنبية في الإشراف على هذه المجازر، تكشف أن المعركة لم تعد فقط عسكرية، بل بيولوجية ونفسية واجتماعية تهدف إلى كسر إرادة الشعب الفلسطيني.

الصمت الدولي أمام هذه المشاهد يُحوّله إلى شريك، وأي حديث عن جهود "إنقاذ" أو "إغاثة" من دون وقف العدوان ورفع الحصار، لا يعدو كونه تكرارًا مأساويًا لسردية زائفة تخدم المعتدي وتقتل الضحية.

* المادة نقلت حرفيا من موقع الوقت