لماذا نُحيي يوم الولاية؟!
السياسية || محمد محسن الجوهري*
لإحياء مناسبة عيد الغدير أو يوم الولاية، دلالات كثيرة أولها أنها احتفال برحمة الله وفضله، والله أمرنا بهذا، فكل مناسبة دينية هي فضل من الله والاحتفال بها هو نوع من الحمد والشكر لله عليها، كما هو الحال مع سائر المناسبات وأولها المولد النبوي الشريف، على صاحبه وآله أفضل الصلاة والسلام، فمناسباتنا الإسلامية تبدأ من هنا وتنتهي بعيد إتمام النعم وإكمال الدين يوم ولاية أمير المؤمنين عليه السلام.
ومن المهم أيضاً أن من دلالات المناسبة الشهادة لله ورسوله بإتمام النعمة على الأمة، وبأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد تركنا على المحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها هالك، ولولم يبلغ الرسول بأمر ولاية الإمام علي لكان مسؤولاً عن الضياع الذي أصابها بمجرد أن ارتحل إلى الملاء الأعلى، لكنه أقام الحجة على الأمة لكي لا تختلف من بعده، ونحن نشهد له بذلك وغتمامه للرسالة دون أي تقصيرٍ أو تفريطٍ منه، وحاشى أن يصدر منه مثل ذلك، كما يزعم أعداء الرسول وآل بيته ممن يحملون النبي مسؤولية الاختلاف والضياع الذي أصاب المسلمين ولا يزال يعصف بهم حتى اليوم.
فنحن ننزه النبي صلى الله عليه وآله من التقصير، وننسبه لأنفسنا نحن أمة محمد الذين بدلوا وفرطوا في رسول الله وفي وصيته ولو كانت الأمة التزمت بمن اختاره الله ورسوله لخلافتها لما ضاعت وضلت، لكنها تشهد على أنفسها بلسان المقال ولسان الحال أن الشقاء كله في مخالفة رسول الله ووصيته بمن يخلفه من بعده، فتوجيهات النبي ليست مجرد كلمات عابرة، بل هي فرضية على كل مسلمٍ ومسلمة، (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) سورة الحشر 7.
ومن لا ينزه رسول الله ويخالف وصيته في يوم الغدير فما جدوى إيمانه بالله والنبي، وقد جاهر بمخالفة الحق واتبع نزواته وأهواءه، ونحن ملزمون بإعلان براءتنا من كل مخالفٍ لرسول الله ولو كان من معاصريه ممن انطبق عليهم قوله عليه: (لتحذن حذو بني إسرائيل حذو القذة بالقذة) وبالفعل فقد حذوا حذوهم وخالفوا وصي محمد كما خالف بنو إسرائيل وصي موسى عليهم السلم أجمعين.
ثم إن الخاسر بالمخالفة ليس الرسول ولا الإمام علي، بل الأمة من ذلك اليوم وحتى عصرنا هذا، وكل واقعها يشهد بأنها تعيش فتنة ومآسي لا حصر لها ولا نظير، بدءً بفتنة ما يسمى "الردة" والتي شرعنت قتل المسلمين والتمثيل بجثثهم وشكلت النواة الأولى للجماعات التكفيرية، وقد سمع فاعلوها قوله صلى الله عليه وآله: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يقتل بعضكم بعضا) فكانت هذه أول العواقب لمخالفة وصية النبي يوم الغدير، وهي من العواقب المستمرة حتى اليوم، وكل فتنة تكفيرية هي من سيئاتها وسيئات من خالفوا النبي صلى الله عليه وآله.
ومن مساوئ مخالفة النبي ووصيته في يوم الغدير أن الأمة اليوم تحت رحمة الطغاة منذ وصول بني أمية إلى السلطة وحتى يومنا هذا، فالعالم العربي أكثر العوالم نكبةً بالطغاة والحكام الظلمة، وما كان لهذا أن يتم لو التزمت الأمة بمن اختاره الله لخلافتها من آل محمد فهم ورثة الكتاب والسنة ولا يُظلم عندهم أحد، كما لا تتحقق الحريات والكرامة إلا في ظل ولايتهم.
والأخطر من كل ذلك، أن الانحراف عن علي عليه السلام أعقبه تقارب مع أعداء الأمة من اليهود والنصارى وانتهى الأمر بولايتهم وتسليمهم الراية ليقتلوا وينهبوا الأوطان وينتهكوا الأعراض، فالتسامح مع أهل الكتاب جريمة بدأت برحيل رسول الله وأعقبت من الجرائم والفوضى ما نراه اليوم في غزة وسائر البلاد الإسلامية، ويكفي أن نتذكر أن آخر معركة مع أهل الكتاب كانت فتح خيبر، ومن بعدها أصبحوا شركاء في الحكم ومنظرين للدين بعد أن ولي الأمر غير أهله.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب