السياسية || محمد محسن الجوهري*

لا بدّ من زوال الكيان الصهيوني عاجلاً أو آجلاً، وما نشهده اليوم من تصعيدٍ ضد غزة وحلفائها ليس سوى مقدمات تمهّد لنهاية هذا الكيان المصطنع، المزروع في قلب الأمة الإسلامية. وبما أنّ إيران دخلت، أو أُجبرت على الدخول، في حربٍ واسعة وطويلة مع "إسرائيل"، فإنّ ذلك يُعدّ من التطورات التي كنا نترقبها ونستبشر بها خيراً، لما لها من انعكاسات عميقة على معادلة الصراع بين الحق والباطل.

علينا أن نتذكّر أولاً أن النهايات بيد الله عزّ وجلّ، فمهما بالغ العدو في التخطيط والمراوغة، يبقى عاجزاً عن التحكم في مجريات الأحداث حتى نهايتها، ولا بدّ من أن تطرأ مستجدات تغيّر من قواعد اللعبة، كما رأينا سابقاً في اليمن. فحين شنّ حلفاء الصهاينة عدوانهم في 26 مارس 2015، توقعوا أن يحقق نهاية سريعة، لكنها تحوّلت إلى بداية لمرحلة نضالٍ وطني يُخلدها اليمنيون سنوياً ابتداءً من العام التالي.

ومثلما حدث هناك، فإن إيران اليوم تمرّ بمرحلة الصدمة، لكنها عابرة، وسرعان ما ستتبدد، لتخسر "إسرائيل" زمام المبادرة وتنتقل من موقع الهجوم إلى الدفاع. ومع استمرار الضربات، ستتكشّف عيوب الكيان الصهيوني، وتظهر هشاشته، خصوصاً أنّه يقامر أولاً بوجوده، بينما إيران كيانٌ راسخٌ في محيطه الجغرافي والثقافي، وقادرٌ على الصمود لسنوات، خلافاً للعدو الذي قد ينهار سريعاً إذا ما قرّر مستوطنوه الفرار خوفاً على حياتهم.

ثم إنّ لـ"إسرائيل" نقاط ضعف قاتلة: من المستوطنات المتناثرة على أرض فلسطين، إلى المرافق الاقتصادية الحيوية، وعلى رأسها الموانئ، ومطار بن غوريون، والمصانع العملاقة في محيط حيفا والجليل ويافا المحتلة، فضلاً عن منشآتها البحثية والعلمية، وفي مقدّمتها مفاعل ديمونة النووي في جنوب النقب المحتل.

وما يهمّ إيران اليوم هو مواصلة الردّ لأطول مدة ممكنة. فهي تملك النفس الطويل، والإمكانات المادية لذلك. ومن يدري؟ لعلّها تكون بداية الفرج المنتظر للشعب الفلسطيني المظلوم، فالنصر الإلهي لن يُنتزع من طاولات المفاوضات، بل من بين أزيز الصواريخ والوسائل التي تُرعب العدو وتُهدد بقاءه المؤقت.

أما في ما يتعلّق بالحليف الأمريكي، فيكفي أن نُدرك أن إيران تُمسك بجغرافيا الخليج، الذي يُعدّ شرياناً استراتيجياً لواشنطن، لما يدرّه عليها من ثروات هائلة. وامريكا، كما أثبتت التجارب، شديدة الوهن حين تُمس مصالحها الاقتصادية، وقد رأينا كيف تخلّت عن "إسرائيل" عملياً أمام هجمات اليمن، حفاظاً على سلامة سفنها التي تضرّرت بفعل الحصار اليمني المفروض عليها، رداً على دعمها للعدو.

إنّ الخليج، بآباره النفطية وقواعده الأمريكية، يحمل القدرة على كسر هيبة واشنطن، أو على الأقل دفعها إلى التخلي عن الكيان اللقيط، وتركه يواجه مصيره وحيداً بلا حماية، وهي من أبرز العوامل التي يُجمع عليها عدد من الخبراء الصهاينة، ومنهم مردخاي قيدار، الذي كثيراً ما يردّد بأنّ "إسرائيل" ستتلاشى فور فقدانها للدعم الخارجي.

لا شك أن ما نشهده اليوم هو تحوّل مفصلي في مسار الصراع، إذ تنتقل المواجهة من الردود الموضعية إلى صدامٍ مفتوح يحمل في طياته ملامح معركة مصيرية، والخيارات أمام إيران واضحة: الاستمرار في الضغط حتى انتزاع معادلة ردعٍ جديدة، أو التراجع الذي لن يجلب إلا مزيداً من العدوان. لكن التجربة أثبتت أن إيران تُجيد العمل تحت الضغط، وتُحسن استخدام الوقت والموقع، وتملك من أدوات المناورة ما يجعلها رقماً صعباً في أي حربٍ شاملة. وفي هذا الصراع، لا تُقاس الأمور فقط بحجم القذائف، بل بإرادة الشعوب، وصبرها، واستعدادها لدفع ثمن الحرية. والكيان الصهيوني، مهما حاول أن يظهر بمظهر القوي، يخشى هذا النوع من الخصوم أكثر من أي ترسانة عسكرية.

هناك نقطة أخرى يجب أن نتذكرها، هي أن تحرير القدس من الصليبيين تم على يد الفرس الخوارزميين (في 17 جمادى الآخرة 642هـ الموافق 11 نوفمبر 1244م،) بعد أن دخل العرب والأيوبيين في اتفاقيات مع الصليبيين لتقاسم السلطة والنفوذ في بلاد الشام وما حولها، ولا شك أن الفرس اليوم قادرون على حسم الصراع مع العدو الصهيوني، فهم أصحاب اليد الطولى والفضل الأكبر في تحرير المقدسات الإسلامية في كل مرة يفشل فيها العرب في تأدية واجباتهم الجهادية المقدسة.


* المقال يعبر عن رأي الكاتب