السياسية || صلاح المقداد*

مهما كانت الأسباب التي تدعو البعض من المُتنطعين العرب والمسلمين ممن يسمون أنفسهم "سُنة"، ليقدحوا في إيران ونظامها، ويتهمونها بتدمير البلدان العربية، وينعتون أبنائها بالمجوس والروافض، بل ويكفرونهم، تدفعهم إلى ذلك دوافع مذهبية وطائفية وسياسية وإجتماعية وعرقية، ورواسب تاريخية من الماضي وبعض عُقد النقص المُتجذرة فيهم.

وما تطفح به اليوم وسائل التواصل الإجتماعي المختلفة من نعيق وسباب وذم لإيران ولشعبها ونظامها المقاوم لدليل على خلل في تفكير من يبثون سمومهم تلك ويروجون لمزاعم باطلة تخدم الصهاينة في المقام الأول، إلى حد أن يتمنى بعض العرب والمسلمين المعادين لإيران أن تنتصر "إسرائيل"، وبعضهم يدعو ويقول: اللهم اهلك الظالمين بالظالمين، ويساوي بذلك بين الأخ الإيراني المسلم له في الدين والعقيدة وبين اليهودي الصهيوني الذي هو له ولأمته ألد الخصام والأعداء التاريخيين.

ولا يوجد منطق ولا سبب وجيه مقبول يجيز لأحد أن يساوي بين إيران والكيان الصهيوني، فالأولى دولة إسلامية والثانية عدو خبيث لعين لنا جميعًا نحن العرب والمسلمين، بيد أن الأولى بالعرب أن يحرصوا ويعملوا على جعل إيران عمق استراتيجي لهم وحليف قوي ويواجهون معًا عدواً هو أمريكا و"إسرائيل" ومن ورائهما الغرب الصليبي الإستعماري الحاقد.

وكم استغرب من أولئك الذين يتمنون سقوط إيران، وفي اعتقادي أن هؤلاء قد يكونون من ذلك النوع الذين يجهلون أن سقوط دولة إقليمية وإسلامية كبيرة كإيران يعني سقوطًا لمعنى كبير وسامي وهُم لا يعلمون خطورة ما يهرفون به.

ومن أجل هذا أجدني مُتفقًا مع أصحاب الرأي القائل : "ليس من العقل ولا من الوعي أن نفرح بإنهيار خصمٍ إقليمي دون أن نقرأ ما بعد الصورة وما خلف الدخان، فإيران تمثل أحد أعمدة التوازن في منطقة صُنعت لئلا تستقر، والفرح بسقوطها أشبه بمن يرقص في جنازة جاره وهو لا يدري أن النعش التالي سيكون له" .

ويضيف أصحاب ذلك الرأي الأقرب إلى المنطق السليم والصواب قائلين : "سقوط إيران لن يكون نهاية نظامٍ سياسي بل بداية هندسة دموية جديدة لمنطقتنا، كما لم يكن سقوط بغداد تحريرًا ولا تحطم دمشق حلاً فإن سقوط طهران لن يفتح أبواب الجنة بل نوافذ جهنم" .. مُؤكدين أن سقوط إيران من شأنه أن يُعيد شبح سايكس بيكو من جديد بنسخته النووية، بالإضافة إلى أن الخليج إذا سقطت إيران سيتحوّل إلى قاعدة عسكرية دائمة والمضائق إلى مسارات استعمار معاصر، وسيتحوّل المشروع الصهيوني من حلمٍ إلى قيادة فعلية لتحالف أمني تحت وهم الحماية والتطبيع، والمعنى العميق يشير إلى أننا نُساق كأغنام إلى الذبح بأيدينا.

ويلامس كبد الحقيقة من يقول : "إن من يُصفّي إيران لا يُعاقبها بل يُقصي آخر دولة قادرة على أن تُرعب تل أبيب"، فسقوطها الآن هو سقوط لآخر رادع نفسي يوازن غرور "إسرائيل"، واختفاؤها يعني أن غزّة ستكون أول الضحايا، وأن القادم لن يُبقي ولن يذر .

والمنطق السليم يقول أيضًا : "إن سقوط إيران ليس شأنًا إيرانيًا، بل هو إعلان واضح أن من قال "لا" يُجتث وأن المشروع الأمريكي ماضٍ في سحق كل مقاومة في ابتلاع الشرق وفي إذلال العرب باسم "التحالف".

ويتوجب علينا أن نفرّق بين كرهنا لسياسات وبين شهوات الانتحار الجغرافي وأن ندرك أن نهاية إيران هي بداية خرابنا كلنا ولو ضحكنا أول الليل سنبكي آخره لكن بعد أن تُكسر الأبواب وتُطفأ الأنوار ويغدو الحريق ولا يجد من يطفئه.

بيد أن الحكمة تقول " ليست في أن تكره بل أن تفهم وليس في أن تفرح بسقوط من تعتبره عدواً بل أن تسأل من التالي؟.

ويجب أن نعي جيداً أن الحرب الحالية على إيران تهدف إلى منعها من الصعود كقوة تكنولوجية إقليمية قوية مستقلة تكون قادرة على إعادة رسم موازين القوة في وجه الصهيونية المتوحشة والرأسمالية المعولمة، اضف إلى أن إيران كقوة إقليمية كبيرة تمتلك مؤهلات كثيرة يجعلها تقف حجر عثرة وتعيق مخططات ومشاريع الغرب الجديدة التي أعدها للمنطقة، ولهذا جرى استهدافها مباشرة بحجة التهديد النووي .

قالها المستشار الألماني صراحةً في ذروة الحرب المحتدمة حاليًا بين الكيان الصهيوني الغاصب وإيران : "إسرائيل تقوم "بالمهمة القذرة" نيابة عن أوروبا والغرب" .
وتصريح كهذا أكثر جرأة ووضوح يصدر من مسؤول غربي تدعم بلاده "إسرائيل" وتتبنى باطلها ومزاعمها التوراتية الكاذبة له دلالاته وأبعاده الخطيرة، بل هو يعتبر توصيف دقيق لما يجري ويحدث، بمعنى إن "إسرائيل" التي كانت فكرة غربية تقوم حاليًا بما كان ينبغي على الغرب فعله والقيام به في المنطقة بحسب المستشار الألماني الذي لم يتحرج من الإدلاء بتصريحه هذا، وقد وضع به النقاط على الحروف وأجاب على أكثر من سؤال مثار ومطروح.
وهو يعني إن "إسرائيل" تخوض حروبها نيابة عن الغرب كله وجيوشه ودوله، وكيف لا وهي زرعته ونبتته الشيطانية التي زرعها في المنطقة لتخدم مصالحه وتكون اداة قمع لدولها وشعوبها العربية والإسلامية التي قد يصدر منها أي تهديد على الغرب ومصالحه وعلى رأسها إيران؟.

وقبل المستشار الألماني بسنوات، قال الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الإبن "إن الله هو الذي أمره بمهاجمة العراق عام ٢٠٠٣، وأنه سمع ربه يقول له إضرب صدام حسين. واليوم يكتب السفير الأمريكي لدى الكيان مايك هاكابي المنتمي إلى الطائفة الافنغيلية المسيحية الصهيونية إلى ترامب ليحثه على الاستماع إلى صوت الله الذي يأمره بضرب إيران بالسلاح النووي كما فعل ترومان عام ١٩٤٥م".

يقول السفير الصهيوني مخاطبا ترامب " هناك أصوات كثيرة تناديك ولكن إسمع صوتا واحدا، صوته هو، إنه يقول لك إضرب إيران كما ضرب ترومان اليابان".

والغريب أن مثل هذا التحريض الفاشي المهووس بإبادة الشعوب تنفيذا لأمر الله، كما يزعمون، يمر بهدوء ولا نسمع من يحتج لاسيما من أولئك العرب "المتحضرين"، الذين يستنكرون على المسلم ركونه إلى الله في عمله وكفاحه، واستناده إلى آيات قرآنية كزاد إيماني معنوي، وثقته بوعد الله بنصرة المظلومين.

والأغرب من ذلك أن تسمع بعض العرب والمسلمين يفرح اليوم ويهلل بضرب إيران ويتمنى هزيمتها على أيدي الصهاينة ويضع نفسه بذلك في خانة وقائمة الأعداء لمجرد أنه يكره إيران ويختلف معها سياسياً ومذهبياً، ويتانسى هذا المأفون المتأسلم أن إيران اليوم تخوض بكل فخر وعزة وكرامة وصدق وثبات حرب إسلامية مقدسة ضد أعداء الأمة والإنسانية، والنصر سيكون حليفها بحول الله وقوته وطوله ولو كره المرجفون ومن قلوبهم مرض ممن يسمون أنفسهم عربًا ومسلمين، ولا نامت أعين الجبناء ! .

*المقال يعبر عن رأي الكاتب