السياسية:

"إسرائيل" خسرت في رهانها على الهجوم ضد إيران، وجعلت الشعب الإيراني أكثر اتحادًا من أي وقت مضى.” بهذا الرأي الصارخ صدح “أوري غولدبرغ”، المحلل السياسي المقيم في تل أبيب، في معرض تحليله للعدوان الذي شنه الكيان الصهيوني على الجمهورية الإسلامية.

بهذا الرأي الصارخ صرح “أوري غولدبرغ”، المحلل السياسي المقيم في يافا "تل أبيب"، في معرض تحليله للعدوان الذي شنه الكيان الصهيوني على الجمهورية الإسلامية.
يقول غولدبرغ في مقاله: "ما الذي جناه الاحتلال الإسرائيلي من أحد عشر يوماً من القصف المتواصل على إيران؟ بنيامين نتنياهو، في بيانه الذي أعقب اتفاق وقف إطلاق النار، زعم أن "إسرائيل" قد حققت أهدافها، غير أن هذا الادعاء، مهما بدا متماسكاً، ينهار أمام أي نظرة فاحصة، إذ يفتقد إلى الجدية والمصداقية".

فمنذ اللحظات الأولى لهذا العدوان، أعلن نتنياهو عن هدفين أساسيين لهذه العملية العسكرية: القضاء على البرنامج النووي الإيراني، والإطاحة بالنظام السياسي الحاكم في طهران. وهنا يبرز السؤال الجوهري: هل نجحت "إسرائيل" في القضاء على المشروع النووي الإيراني؟

الإجابة واضحة وضوح الشمس: کلا، بل إن الحقائق تشير إلى أن إيران، قبل أن تطال الغارات مواقعها النووية، وعلى رأسها منشأة “فوردو”، قد نقلت ما بحوزتها من مواد نووية إلى مواقع آمنة، وهي مواد تُعدّ جوهر البرنامج النووي الإيراني وأساسه الراسخ. وعليه، فإن ما كان يصبو إليه نتنياهو من تدمير هذا المشروع، قد ظل مجرد أضغاث أحلام لم تجد لها موطئ قدم في الواقع.

وإذا تسائلنا عن حجم الضرر الذي لحق بالبرنامج النووي الإيراني، فإن الإجابة تبقى محجوبةً خلف ستار الغموض؛ إذ إن إيران لن تسمح لأحد بأن يقترب من مواقعها النووية أو يُقيّم ما أصابها من أضرار.

أما الهدف الثاني، وهو إسقاط النظام السياسي الإيراني، فإن الوقائع تبرهن على أن "إسرائيل" قد سلكت طريقاً قادها إلى نتائج معاكسة تماماً. لقد حاول الكيان الصهيوني أن يؤجج اضطرابات داخلية تُطيح بالنظام السياسي في طهران، مستنداً في ذلك إلى استراتيجية اغتيال القادة العسكريين والأمنيين البارزين في الجمهورية الإسلامية. هذه الاستراتيجية قامت على اعتقاد راسخ لدى الإسرائيليين بأن تصفية الشخصيات القيادية، هي السبيل الأمثل لزعزعة استقرار الدول. غير أن هذه الخطة، في حالة إيران، كانت أشبه بسهمٍ ارتدّ إلى صدر راميه، وانتهت بفشل ذريع.

إن اغتيالات "إسرائيل"، التي استهدفت كبار قادة الحرس الثوري الإيراني، لم تُحدث شرخاً في الداخل الإيراني، بل عززت أواصر الوحدة بين الشعب والنظام. لقد وجد الإيرانيون في هذا العدوان الغاشم اعتداءً شاملاً على أرضهم ووطنهم، لا مجرد مواجهة سياسية مع نظامهم الحاكم. وهكذا، بدلاً من أن تُضعف "إسرائيل" الجبهة الداخلية الإيرانية، ساهمت في تقويتها وتماسكها.

أما إقدام "إسرائيل" على قصف مقار الإعلام الإيراني، فقد كان خطوةً بالغة الحماقة، إذ منح إيران الشرعية لاستهداف المؤسسات الإعلامية الإسرائيلية بالصواريخ، وهو ما زاد الطين بلةً بالنسبة للاحتلال.

وفي ظل هذا الفشل الذريع في تحقيق الأهداف المعلنة، يبرز سؤال آخر: هل استطاعت "إسرائيل" أن تحشد دول العالم خلفها في مواجهة طهران، بحيث تُلهيهم عن الجرائم التي ترتكبها في غزة؟ الإجابة هنا أيضاً تأتي بالنفي القاطع. صحيح أن دونالد ترامب أمر بمهاجمة المواقع النووية الإيرانية، لكن هذه الخطوة انتهكت سلسلةً من القوانين الدولية، وستترك آثاراً كارثيةً طويلة الأمد. ومع ذلك، حتى ترامب نفسه لم يكن مستعداً للغوص أكثر في مغامرة "إسرائيل" العسكرية ضد إيران.

وعندما ننظر إلى المشهد الأوسع في الشرق الأوسط، نجد أن العالم بات يرى إيران شريكاً شرعياً للتعاون الاقتصادي والتجاري، وهو ما يُعدّ هزيمةً استراتيجيةً مدويةً لـ "إسرائيل"، وانتصاراً باهراً لإيران.

على الصعيد العسكري، أظهرت المواجهة أن الصواريخ الإيرانية استطاعت، مراراً وتكراراً، أن تخترق أنظمة الدفاع الإسرائيلية، مستهدفةً مواقع حيوية، مخلفةً دماراً غير مسبوق في عمق الأراضي المحتلة. إن معدل اعتراض الصواريخ الإيرانية من قِبل منظومات الدفاع الإسرائيلية كان يتراجع يوماً بعد يوم، في ظل عجز الاحتلال عن توفير بدائل للصواريخ الاعتراضية. ولم يكن الاقتصاد الإسرائيلي بمنأى عن تداعيات الحرب، إذ سرعان ما انزلق إلى أزمة خانقة.

إيران، في خضم هذا العدوان، لم تركع ولم تُلقِ سلاحها. صواريخها أصابت أهدافها بدقة، وصورتها أمام العالم لم تُشوَّه، بل ارتسمت كضحية تتعرض لعدوان غاشم. ولهذا، لم يكن انتقام إيران محدوداً أو مكبلاً بقيود. لقد كانت قويةً بما يكفي لتُرغم إدارة ترامب على السعي نحو اتفاق وقف إطلاق النار.

خرجت إيران من هذه المواجهة بالصورة التي أرادت أن يراها العالم: دولة صامدة، ذات قدرة على المقاومة، تنبض بالإمكانات الواعدة، وتستعد لإظهار قوتها الكامنة في مستقبل الأيام.

* المقادة نقلت حرفيا من موقع الوقت الإخباري