بين الكاميرا وطابور الماء.. "إيمان الزاملي" تكتب بدمها حكاية غزة
السياسية-وكالات:
بين رائحة التراب وصدى الصواريخ، وبين طوابير الماء التي تحاول غزة أن تتنفس منها، وقفت الصحفية إيمان الزاملي تبحث عن شربة حياة، لتقع شهيدة بين أنفاس الخوف والأمل. لم تكن عدستها تبحث عن المجد، ولا قلمها عن الشهرة، بل عن الحقيقة التي يرفض العدو الإسرائيلي أن تُسمع. في لحظة اختصر فيها الموت الحياة، كتبت إيمان بدمها آخر صفحات حكاية غزة، لتترك خلفها صدى كلمة لا يمحوها القصف، وقلبًا كان وطنًا لكل محتاج.
لم تكن الصحفية الفلسطينية إيمان الزاملي (43 عامًا) تتوقع أن رحلة بحثها عن الماء ستتحول إلى رحلتها الأخيرة. مساء الثلاثاء 2 سبتمبر 2025، وقفت إيمان في طابور النازحين بمخيم الإسراء جنوب خانيونس، لكن رصاصة متفجرة من طائرة مسيّرة "إسرائيلية" باغتت رأسها، لتسقط شهيدة وهي تحاول أن تحيا وسط الموت.
عُرفت إيمان بين زملائها وأهلها بأنها صاحبة الكلمة الحرة والعدسة التي لا تعرف الصمت أمام الألم. لكنها لم تكن مجرد صحفية، بل قلبًا نابضًا بالرحمة ويدًا ممدودة للعطاء. بعد وفاة والدتها، حملت على عاتقها مسؤولية أسرتها، وكانت أماً حنونة لإخوتها وأبناء مخيمها.
يقول شقيقها محمد الزاملي لوكالة "سند": "كنا نحو 20 شخصًا بجانبها لحظة الاستهداف، لكن الله اختارها شهيدة بيننا.. حتى أنا أصبت بشظية في ظهري. إيمان كانت لنا جميعًا، كلمة لا تفارق لسانها، ويدها ممدودة بالخير دائمًا."
رغم أنها لم تُرزق بالأمومة، عاشت لتكون أمًا للجميع. أتقنت الإسعاف الأولي وكانت أول من يهرع لإنقاذ المصابين. في إحدى رحلات النزوح، أنقذت جارًا تعرض لنوبة قلبية، وفي ليالي القصف كانت سندًا لجرحى ونازحين فقدوا الأمل.
وقبل يومين من استشهادها، وزعت أصنافًا من الحلوى صدقة عن روح والدها، وكأنها كانت تودع الحياة بالعطاء الأخير.
برحيلها، تنضم إيمان إلى قافلة من 12,500 امرأة شهيدة خلال حرب الإبادة على غزة، من بينهن 8,990 أمًّا، كما تضاف إلى سجل الصحفيين الفلسطينيين الذين استُهدفوا فقط لأنهم نقلوا الحقيقة، ليبلغ عددهم 248 صحفيًا شهيدًا منذ بداية العدوان "الإسرائيلي".
لم تفقد غزة مجرد صحفية، بل ودّعت قلبًا نابضًا بالحب وصوتًا حمل هم الناس، وكاميرا لم ترتجف أمام الحقيقة.
وبين طوابير الماء المحاصرة بالقصف، تبقى كلمات شقيقها تلخص الحكاية: "لو كنت مصابًا، لكانت إيمان أول من يسعفني. كم كانت حنونة، وكم سنشتاق إليها."
رحلت إيمان الزاملي، لكنها تركت وراءها سيرةً تشهد أن الكلمة الحرة لا تُقتل، حتى لو أسكتتها رصاصة.

