من قلب غزة النازف: سارة طفلة أفقدها العدو الإسرائيلي بصرها ويحرم عائلتها من أمل العلاج
نضال عليان *
على فراشها، تمضي الطفلة الفلسطينية، سارة موسى، أوقاتها الصعبة تبحث عن بصيص ضوء فقدته فجأة، بعد أن حرمها رصاص جيش العدو الإسرائيلي من نعمة البصر، وأغلق أمام طفولتها أبواب اللعب والمرح مع أقرانها، ليضاعف من مأساة عائلتها، التي تعيش وسط أجواء مأساوية مع أهالي قطاع غزة، نتيجة جريمة الإبادة الصهيونية الجماعية المتواصلة منذ أكثر من عامين.
أصيبت الطفلة سارة البالغة من العمر 5 سنوات بطلق ناري في رأسها في يوم دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في قطاع غزة في العاشر من أكتوبر الماضي؛ ما أفقدها البصر بشكل كامل، كما تسبب لها بنوبات حرارة شديدة واستفراغ لا إرادي.
دخلت سارة العناية المركزة لمدة ستة أيام، ولم يستطع الأطباء عمل أي شيء لها؛ نتيجة نقص الخدمات العلاجية، التي يعاني منها القطاع، بسبب استمرار الحصار الإسرائيلي.
ترقد سارة منذ أكثر من شهرين في مستشفى ناصر جنوبي القطاع، ويقول الأطباء إن هناك أمل بسيط لعودة بصرها، لكن ذلك مرهون بتلقيها العلاج اللازم خارج القطاع المحاصر؛ لأن الإمكانات الطبية تكاد تكون منعدمة في مستشفيات غزة.
لكن العدو الإسرائيلي يمنع فتح معبر رفح لخروج الحالات الإنسانية لتلقي العلاج خارج القطاع.
تحكي أم سارة بعضًا من تفاصيل المعاناة لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، قائلة: "نزحنا من شمال قطاع غزة إلى الجنوب في خيمة بمنطقة أصداء، وفي يوم 9 أكتوبر انسحب اليهود، وأجى طلق ناري من طائرة كواد كابتر، دخل في راس سارة من الجهة الشمال وطلع من الجهة اليمين".
وتضيف: " دخلت سارة العناية المركزة في مستشفى ناصر الطبي العناية 6 أيام. طلعت سارة ما بتشوفش. انصدمت إنها ما بتشوفش بعد 6 أيام".
وتسرد أم سارة ردة فعل ابنتها قائلة بكلمات تختزل بعضاً من الألم الغزاوي الكبير: "بنتي سارة بعد خروجها من العناية بتقول لي يا ماما نفسي أشوفك. ماما نفسي أشوف ضو الشمس. يا رب تطلع الشمس. يا ماما أضوي الضوء. يا ماما خلي بابا يشحن البطارية. يا ماما بديش آكل. ليش يا ماما الحمام ما فيهوش ضوء يا ماما؟. طب يا ماما عطيني نظارتك. مش النظارة بشوفوا فيها وانتي بتشوفي فيها أنا بدي أشوف فيها عطيني نظارتك يا ماما. نفسي أشوف وجهك عشان ما انسى وجهك يا ماما. ضوو لينا خليني أشوف وجهك وخلص يا ماما. متى تيجي الكهرب؟. وأقول لها يا ماما الكهرب قاطعة".
وتؤكد والدة سارة أن ابنتها غير مستوعبة لما حدث لها، وتوضح: "سارة مصدومة؛ لأنها ما بتشوفش. بدنا أشعة رنين تكشف إيش صار في دماغ سارة عشان مش راضي يشغل العينين. مركز الإبصار في سارة مازال فيه أمل فيه حياة. بنتي فيها أمل فيها لسه مركز الإبصار منضربش بدي أشعة رنين تكشف إيش اللي صار في دماغ صارة، ليش عينين سارة ما بشوفوش، هاي اللي بطالبوا أنا. هاي اللي بتطالبوا سارة".
وتردف بصوت مثقل بالحزن يضلله قلب أم مكلوم: "العلاج من حق هاي الطفلة الصغيرة. أقل ما فيها بدنا العلاج أنا إلي 35 يوم ما شفتش النوم نهائي مع ارتفاع حرارة سارة 24 ساعة".
وتشير أم سارة إلى أن طفلتها هي الناجية الوحيدة من أسرتها منذ بداية الحرب، ولا يوجد لها عمات أو خالات، وتضيف: "طلعنا من الركام من تحت أربع طوابق والله نجالي إياها والحمد لله".
المعاناة لا تقتصر على سارة، وحسب بل أن والدة سارة، كباقي الأمهات، تعاني كثيراً من رؤية ابنتها بهذا الوضع الصحي المؤلم، وتقول: "أنا تعبانة نفسياً عشان بنتي. بنتي بتطلب عينينها تشوف فيهم، وأنا مش قادرة مش بإيدي".
وتعرب أم سارة عن أملها في أهل الخير لإنقاذ وعلاج ابنتها قائلة: "إن شاء الله يا رب برأفة أهل الخير وأطباء، خروج سارة للعلاج، أريد أي حل بس لأطمأن وأشوف كيف سارة. بس لو شفتني غبش أنا راضية، لو شافتني ببصيص نور في عينين سارة. هي بنت وأنا وأبوها مش دايمين لها. ودائما تطلب مني سارة وتقول بدها تشوف. أنا أم إيش أسوي مش بإيدي حاجة، أنا بحضنها أحسسها بالأمان بس هي نفسها تشوفني".
ليست قصة سارة إلا نموذجا لآلاف بل أكثر من قصص المعاناة المنتشرة على امتداد القطاع المحاصر جراء العدوان الإسرائيلي، الذي مازال يرتكب كل يوم جرائم تلو الأخرى على مرأى ومسمع من العالم؛ لكن السؤال : هل مازال لهذا العالم آذان تصغي لصوت سارة وأم سارة، وتستجيب لهذا الألم الفلسطيني؟!.

