اعتراف الكيان الإسرائيلي بما يُسمى إقليم أرض الصومال: الأهداف الظاهرة والخفية
السياسية - وكالات:
أعلن رئيس وزراء العدو الإسرائيلي، المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية، بنيامين نتنياهو، الجمعة، اعترافه بإقليم "أرض الصومال"، في حين سارعت عدة دول وكيانات سياسية إلى إدانة هذا الإعلان.
فما الذي يسعى إليه الكيان الاسرائيلي من هذه الخطوة، التي تأتي في ظل تسريبات إعلامية برغبة "اسرائيلية" في تهجير سكان قطاع غزة إلى اقليم أرض الصومال أو الصومال أو السودان في سياق مجموعة من الأهداف الظاهرة والخفية.
لكن ما لا يفهمه العدو الاسرائيلي هو استحالة تخلي الفلسطينيين عن أرضهم، وتجذر تمسكهم بالأرض على الرغم من مرور أكثر من سبعة عقود من تعكير صفو حياتهم بالاحتلال، وقد رووا، خلالها، تراب وطنهم بدمائهم الطاهرة؛ وهم يضحون بأرواحهم، ويتجرعون في سبيل استقلالها وتحررها الويلات جيلا بعد جيل، في ملحمة تجسدها فلسطين، التي صارت عنوان عالميا للحرية، وبخاصة بعد ملحمة "طوفان الأقصى".
إزاء إعلان الكيان الاسرائيلي اعترافه بإقليم أرض الصومال، وهذا الكيان هو، في الأساس، كيان دخيل ومحتل، تتعدد القراءات والتحليلات حول أهداف هذه الخطوة، وعلاقة هذا الاعتراف بحسابات وأجندة مجرم الحرب بنيامين نتنياهو، خاصة في منطقة القرن الأفريقي.
اليمن أعلن بوضوح أنه «لن نقبل أن يتحول جزءٌ من الصومال إلى موطئ قدمٍ للعدوّ الإسرائيلي على حساب استقلال وسيادة الصومال وأمن الشعب الصومالي وأمن المنطقة والبحر الأحمر».
يأتي ذلك انطلاقا من إدراك اليمن للأهداف الكامنة من هذا الاستهداف ، وفي مقدمة هذه الأهداف استهداف سيادة الصومال وأمن المنطقة والبحر الأحمر، بما فيه اليمن .
وقال قائد الثورة، السيد عبدالملك الحوثي، في بيان أصدره أمس بشأن المستجدات في الصومال: «إن إعلان العدوّ الإسرائيلي اعترافه بإقليم أرض الصومال ككيان منفصل موقف عدائي يستهدف به الصومال ومحيطه الافريقي، ويستهدف به اليمن والبحر الأحمر والبلدان التي على ضفتي البحر الأحمر».
وأكدّ المجلس السياسي الأعلى «أن أي وجود أو نشاط صهيوني في الأراضي الصومالية سيكون هدفا عسكريا لقواتنا المسلحة باعتباره عدوانًا على الصومال وعلى الأمن القومي اليمني والعربي والإسلامي، ولن يُنظر إليه كأمر واقع أو مسألة يمكن القبول بها».
تأثير القرار في القضية الفلسطينية
وضمن القراءات المتخلفة لأهداف هذه الخطوة الصهيونية؛ ترى الكاتبة والباحثة، أماني الطويل، أن أرض الصومال، من وجهة النظر الإسرائيلية، كيان يبحث عن شرعية بأي ثمن ويملك موقعاً جغرافياً بالغ الحساسية، ويمكن دمجه بسهولة في ترتيبات أمنية خارج الأطر المتعددة الأطراف.
وتضيف الطويل أن "التحركات الأميركية في الكونغرس الرامية إلى الاعتراف بأرض الصومال وتصريحات ترامب في شأن أرض الصومال في أغسطس الماضي، التي أشارت إلى إمكان أن تستقبل مهجرين في غزة، لا يمكن فصله عن الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال، ولا يمكن فصله أيضاً عن هذه البيئة، بل يمثل محاولة واعية لاستثمار هذا الفراغ، وإعادة تعريف قواعد الاشتباك السياسي والقانوني في الإقليم".
ردود الفعل الرافضة
وأثار هذا الإعلان ردود فعل رافضة، إذا سارعت كثير من الدول العربية والإسلامية إلى التنديد بهذه الخطوة، واعتبرتها "سابقة خطيرة وتهديدا للسلم والأمن الدوليين وللمبادئ المستقرة للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة".
وأكدّت معظم الدول على الدعم الكامل لوحدة وسيادة وسلامة الأراضي الصومالية، والرفض الكامل لأي إجراءات أحادية من شأنها المساس بالسيادة الصومالية أو تقويض أسس الاستقرار في البلاد.
كما اعتبرت الدول العربية والإسلامية أن الاعتراف الإسرائيلي بإقليم أرض الصومال خطوة استفزازية مرفوضة وتعدٍّ سافر على مبدأ وحدة الأراضي وسيادة الدول.
بدورها رفضت مفوضية الاتحاد الأفريقي أي خطوة تهدف للاعتراف بأرض الصومال ككيان مستقل، وأكدت التزامها "بوحدة وسيادة الصومال".
ودعا رئيس المفوضية، محمود علي يوسف، في بيان، إلى احترام الحدود الأفريقية، قائلا "إن أي محاولة لتقويض وحدة الصومال وسيادته وسلامة أراضيه، تنذر بإرساء سابقة خطيرة تحمل تداعيات بعيدة الأمد تهدد السلام والاستقرار في جميع أنحاء القارة".
وكانت وكالة "أسوشيتد برس" أفادت في مارس الماضي بأن "الولايات المتحدة وإسرائيل عرضتا على مسؤولين في 3 دول أفريقية، توطين فلسطينيين من قطاع غزة على أراضيها".
وذكرت الوكالة أن التواصل تم مع مسؤولين من السودان والصومال ومنطقة أرض الصومال الانفصالية بشأن المقترح.
وأضافت الوكالة أن مسؤولين سودانيين قالوا إنهم رفضوا المقترح الأميركي، بينما قال مسؤولون من الصومال وأرض الصومال إنهم ليسوا على علم بأي اتصالات في هذا الصدد.
وتقع أرض الصومال في الطرف الشمالي الغربي من الصومال، وتبلغ مساحتها 175 ألف كيلومتر مربع، وأعلنت استقلالها من جانب واحد عن الصومال في عام 1991، لكنها لم تحظ باعتراف من المجتمع الدولي.
ويتصرف إقليم "أرض الصومال"، الذي لا يتمتع باعتراف رسمي منذ إعلانه الانفصال عن الصومال عام 1991، باعتباره كيانا مستقلا إداريا وسياسيا وأمنيا، مع عجز الحكومة المركزية عن بسط سيطرتها على الإقليم، أو تمكن قيادته من انتزاع الاستقلال.
وترفض الحكومة الصومالية الاعتراف بإقليم أرض الصومال دولة مستقلة وتعده جزءا لا يتجزأ من أراضي جمهورية الصومال، وتعتبر أي صفقة أو تعامل مباشر معه اعتداء على سيادة البلاد ووحدتها.
موطئ قدم في القرن الأفريقي
وفي استمرار لردود الفعل، وصف رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري إعلان رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاعتراف بأرض الصومال بالاعتداء الصارخ على سيادة الدولة الصومالية ووحدة أراضيها، مشددا على أنه إجراء باطل شرعا وقانونا.
وأكد بري، في لقائه مع قناة الجزيرة، أن هذا الاعتراف ليس له أي أثر قانوني، مشددا على أن الصومال دولة مستقلة ذات سيادة وحدود معترف بها دوليا.
وحذّر رئيس الوزراء الصومالي من الأبعاد الجيوسياسية للخطوة "الإسرائيلية"، مشيرا إلى أن إسرائيل تسعى للحصول على موطئ قدم في منطقة القرن الأفريقي بهدف السيطرة على البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
وأوضح بري أن هذه المساعي تشمل محاولات لتأسيس قواعد عسكرية، مما يشكل "سابقة خطيرة" تهدد أمن المواطنين الصوماليين والاستقرار الإقليمي في المنطقة برمتها.
ملف تهجير الفلسطينيين
وكشف الكاتب الصحفي وباحث الشؤون السياسية في جريدة الأهرام المصرية، بشير عبد الفتاح، عن تحركات استراتيجية "خطيرة" تقودها إسرائيل في منطقة القرن الإفريقي، تستهدف من خلالها الربط بين ملف تهجير الفلسطينيين قسريًا، وبين تعزيز نفوذها العسكري في الممرات الملاحية الحيوية.
وأوضح عبد الفتاح، في تحليل شامل للتطورات الجيوسياسية الأخيرة، أنَّ الدوائر الاستراتيجية الإسرائيلية تضع منطقة ما يسمى بـ "أرض الصومال" ضمن خياراتها كوجهة محتملة لاستيعاب الفلسطينيين المهجرين من قطاع غزة، فيما يُعرف بمخطط "الوطن البديل"، أو إيجاد موطئ قدم دائم بعيداً عن الأراضي الفلسطينية.
تغيير منطقة الشرق الأوسط
ويشير محللون إلى أن الخطوة الإسرائيلية ترتبط بإستراتيجية قديمة، إذ اهتمت "إسرائيل" بمنطقة القرن الأفريقي منذ الخمسينيات والستينات.
ويوضح الكاتب والمحلل السياسي المختص بالشؤون الأفريقية، عبد القادر محمد علي لبرنامج "ما وراء الخبر" في قناة الجزيرة، "أن "إسرائيل" أعادت إحياء هذه الإستراتيجية خلال السنوات الأخيرة وخاصة بين عامي 2010 و2011".
وعادت "إسرائيل" إلى الاهتمام بالقرن الأفريقي، وفق محمد علي، بعد صعود حركات المقاومة في قطاع غزة وفي جنوب لبنان، وبسبب تداعيات الربيع العربي، بالإضافة إلى ظهور الدور التركي في المنطقة.
أما السبب الآخر الذي جعل "إسرائيل" تعترف بأرض الصومال، فهو الموقع الإستراتيجي لهذا الكيان، حيث يشرف على خليج عدن ومضيق باب المندب، ما سيسمح لتل أبيب بالتجسس على اليمن ومراقبة الملاحة في تلك المنطقة.
ووفق الاعتقاد الإسرائيلي، يضيف الكاتب، فإن الاعتراف بأرض الصومال سيجعل هذا الإقليم منطقة معزولة عن محيطها وسيكون "جيبا إسرائيليا فقط".
جبهة اليمن
ولا تختلف قراءة الأكاديمي والخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور مهند مصطفى، عن سابقه بخصوص القرار الإسرائيلي، فقد حدد أهداف الكيان الاسرائيلي من وراء الاعتراف بأرض الصومال في الاقتراب من جبهة اليمن والتحكم في الملاحة المائية في البحر الأحمر، فضلا عن مواجهة النفوذ التركي في الصومال.
أما الهدف الإستراتيجي الآخر لإسرائيل، بحسب مصطفى، فهو توجيه رسالة للجميع بأنها تقوم فعليًا بتغيير منطقة الشرق الأوسط، وأنها تتحكم في إيقاع هذه التغييرات.
وبخصوص ما يريده إقليم أرض الصومال في المقابل من الكيان الإسرائيلي، يقول الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات، الدكتور لقاء مكي، إن الأمر يتعلق بالأمن وبمساعدات تكنولوجية وزراعية.
ومن جهة أخرى، لا يستبعد مكي أن يكون القرار الإسرائيلي الاعتراف بـ"أرض الصومال" له علاقة بمساعي إسرائيل لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، خاصة أن الإقليم سيحصل على أموال في مقابل ذلك، لكنه اعتبر أن هناك عقبات قد تحول دون تحقيق هذا الهدف، تتعلق بالفلسطينيين أنفسهم، لأنهم يرفضون التهجير، والأمر الآخر أن أرض الصومال كيان غير معترف به دوليا.
تعزيز الصراع وعدم الاستقرار
من جانبه يقول الدكتور حمدي عبدالرحمن، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن الاعتراف الاسرائيلي بإقليم أرض الصومال يعكس سابقة قانونية وسياسية في القارة الأفريقية بشأن التعامل مع الكيانات الانفصالية المستقرة، ما قد يشجّع حركات أخرى على المطالبة باعترافات مماثلة أو يدفع دولاً مثل إثيوبيا ونيجيريا إلى التشدد أكثر في مواجهة نزعات الانفصال خشية تدويل ملفاتها، بينما يمنح "صوماليلاند" قناة مباشرة إلى التمويل والاستثمار والتسليح خارج إطار الدولة الصومالية، وهو ما يزيد تعقيد أي مسار مستقبلي لإعادة توحيد الصومال أو لإصلاح نظامه الفيدرالي.
ويضيف عبد الرحمن في تحليل له بصحيفة النهار المصرية، أنه "بهذه الطريقة يتجاوز قرار تل أبيب كونه مجرد اعتراف بدولة جديدة ليصبح نقطة انعطاف في إعادة هندسة ميزان القوى في القرن الأفريقي وحوض البحر الأحمر، ويُوسِّع نفوذ محور "إسرائيل–الولايات المتحدة".. لكنه في الوقت ذاته يفتح بوابات جديدة لعدم الاستقرار والصراع بالوكالة في واحدة من أكثر المناطق حساسية لممرات الطاقة والتجارة العالمية.

