حسن عردوم*

لا أظن أن حرص الولايات المتحدة، هذه الأيام، على إيقاف الحرب في اليمن نابع عن رغبة حقيقية في إيقاف نزيف الدم اليمني، وإنهاء الأزمة الإنسانية التي قيل عنها إنها الأكبر على مستوى العالم؛ بل لدوافع سياسية مغلفة بغطاء إنساني لتحقيق ولو نسبة بسيطة من الأهداف التي رسمتها الولايات المتحدة في بداية ما يسمى عاصفة الحزم، والتي جعلت حينذاك النظام السعودي هو المتصدر لارتكاب الجرائم والمجازر بحق الشعب اليمني ليتحمل تبعات هذه الحرب، وتبقى واشنطن خلف الستار تظهر في النهاية بدور الوسيط وكأنها المنقذ للأطراف المتصارعة.

كان الدور الأمريكي حاضراً في كل لحظة من لحظات الحرب العدوانية الغاشمة على البلد الفقير، ولا يستطيع أحد إنكار المشاركة الأمريكية في حرب اليمن، ليس فقط ببيعها أسلحة للسعودية التي تقود تحالفاً عسكرياً في اليمن منذ نهاية مارس 2015، ولكن من خلال تنفيذها غارات جوية قتلت العديد من المدنيين اليمنيين، وكان أغلب قنابلها وصواريخها التي يعرضها إعلام صنعاء تحمل على ظهرها اسم بلد المنشأ “صنع في أمريكا”، وذلك خير شاهد على الحضور الأمريكي الواضح.

يظهر الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن على شاشات التلفزة وهو يتباهى بدعواته المنادية بضرورة إيقاف الحرب في اليمن، والدخول في عملية سلام شاملة، وهو في الوقت نفسه لم يصدر توجيهاً أو قراراً واحداً بإيقاف بيع الأسلحة للدول المشاركة في قتل اليمنيين، حتى أن طائرات بلاده لا تزال حتى اللحظة في المطارات الحربية للرياض وأبوظبي متوجهةً صوب المناطق اليمنية، غير تنفيذها ما لا يقل عن 190 عملًا مسلحًا في اليمن، معظمها غارات جوية منذ 2017م، أسفرت عن قتل العديد من المدنيين اليمنيين، وفقاً لتقرير المختصة في الشؤون السياسية والأمن القومي الأمريكي، ميسي رايان، والتي نشرت تقريرها صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية في نهاية عام 2020م.

تأتي الضغوطات الأمريكية في هذه الفترة على أطراف الحرب في اليمن بإيقاف العمليات العسكرية، واللجوء للتفاوض وإرسال الوسطاء إلى صنعاء، في عملية أشبه ما تكون بحملة علاقات عامة لتحسين صورتها الذهنية أمام العالم، وفي محاولة من إدارة “بايدن” لإخراج رأس واشنطن من حرب اليمن بعد مرحلة طويلة من اليأس والتخبط والفشل، بعد أن استطاع المقاتل اليمني أن يجعل آلياتها العسكرية مجرد كراتين تحرق بعود كبريت وبالولاعات، وكذلك لاتخاذ منحىً آخر في اليمن يختلف عمَّا سبق، ويكون أشبه بما تنفذه الولايات المتحدة في إيران والعراق ولبنان وبعض الدول التي لا تحب أن تراها مستقرة، وذلك كله من أجل سواد عيون إسرائيل.

لا يعوِّل الكثير، خاصة من اليمنيين، على عملية السلام التي تتغنى بها إدارة “بايدن” هذه الأيام، ولا يُرجَّح أن يكون فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة نافذة لإيقاف الحرب بشكل نهائي في اليمن، لاسيما والبند الأخير من بيان المكتب السياسي التابع لأنصار الله في صنعاء لن يتحقق بالسلام، وهو إخراج كافة القوات الأجنبية من البلاد، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للجمهورية اليمنية، حيث تشهد الوقائع والأحداث المتعاقبة أن القوات الأجنبية لم تخرج من بلد احتلته إلا بقوة السلاح.

بالمجمل هناك مساعٍ خفية تستقرأ من حراك إدارة بايدن حول التسوية السياسية في اليمن وهي:

الأولى: الخروج من مستنقع الدم اليمني أمام الرأي العام، وتحقيق إنجاز نوعي داخلي لإدارة بايدن، واستخدام طرق جديدة للضغط على صنعاء مقابل تحقيق السلام، منها العقوبات الأمريكية على الأشخاص والشركات من التعامل معها وعزل صنعاء دبلوماسياً وإقتصاديا.

الثانية: تشجيع المكونات الأخرى مثل أذرع الإمارات في “الساحل”الغربي و”الانتقالي” في الجنوب اليمني، لتكون تلك المكونات موازية لصنعاء حتى لا يحدث استقرار داخلي ينعكس ايجاباً على تمدد قوات صنعاء باتجاه الموانئ التي تسعى إسرائيل- من خلال حليفتها الإمارات- أن تكون هي المسيطرة عليها.

والثالثة: اللجوء إلى الحرب الاقتصادية من خلال مواجهة العملة اليمنية وانهيارها أمام العملات الأجنبية، كما تعمل في لبنان، ومنع اليمنيين من الاستفادة من ثرواتهم النفطية والغازية والمعادن والذهب من خلال خلق صراعات داخلية تخدم أهداف واشنطن وتل أبيب في المنطقة.

* المصدر : رأي اليوم
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع