السياسية - رصد:

مريم السبلاني*


في سابقة لها أبعاد إنسانية وسياسية معقدة، دمر كيان الاحتلال آخر طائرة مدنية عاملة في مطار صنعاء الدولي، كانت مخصصة لنقل المرضى اليمنيين والحجاج إلى وجهات محددة تشمل مطاري جدة وعمّان، وفق ترتيبات أممية جاءت ضمن بنود اتفاق الهدنة الأخير. بالتالي، يمكن تلخيص الاستعراض الاسرائيلي الذي أعلن عنه رئيس الحكومة الصهيونية، أن 10 طائرات حربية إسرائيلية قطعت أكثر من 2000 كيلومتر لتدمير طائرة مدنية.

منذ أعوام، يعيش اليمن تحت حصار متعدد الأوجه، وتُعد الرحلات المدنية النادرة عبر مطار صنعاء بمثابة شريان حياة لآلاف المرضى والطلاب والحجاج، ممن لا يملكون وسيلة بديلة للخروج من البلاد. ومع أن مطار صنعاء بقي مغلقاً في وجه الرحلات التجارية، إلا أن اتفاقات تهدئة تم الاتفاق عليها قبل حوالي 3 أعوام، سمحت بتسيير عدد محدود من الرحلات الخاضعة لرقابة مشددة، إلى وجهات مثل الأردن والسعودية، وهي ليست دول صديقة لصنعاء.

استهداف هذه الطائرة الأخيرة، التي لم يكن لها سوى غرض إنساني، لا يمكن تفسيره ضمن أي إطار عسكري منطقي. فبحسب مصادر الأمم المتحدة، فإن كل الرحلات كانت تتم بالتنسيق المسبق، وتمر عبر آليات رقابة صارمة تضمن عدم استخدامها لأغراض غير مدنية. من هنا، يصبح الادعاء الإسرائيلي بأن الطائرة كانت تُستخدم عسكرياً أقرب إلى تبرير إعلامي، وافتعال انجازات، منه إلى استهداف مبني على جهد استخباراتي دقيق.

استخدمت إسرائيل في هذا الهجوم عشر طائرات مقاتلة من طراز متقدم، وهو عدد كبير نسبياً إذا ما قورن بطبيعة الهدف. ويمكن القول إن هذا الاستعراض الجوي لا يُقصد به تحقيق نتيجة عسكرية، بل توجيه رسالة سياسية مزدوجة: أولاً إلى صنعاء بأن استهدافها المتكرر لمطار بن غورويون لن يمر دون ثمن، وثانياً إلى جمهور إقليمي ودولي مفاده أن تل أبيب قادرة على ضرب أي مكان في المنطقة، حتى وإن كان بعيدًا مئات الكيلومترات، وهو ما أعلن عنه بنيامين نتنياهو صراحة.

في الواقع، فإن مطار صنعاء تعرّض سابقاً لعشرات الغارات، ولم يؤدِّ ذلك إلى تقويض قدرة صنعاء على إدارة عملياتها العسكرية أو الإعلامية. والسبب في ذلك، أن المطار لم يكن يوماً جزءاً من البنية العسكرية لحركة أنصار الله، كما أن الوجهات المحددة للرحلات لا يمكنها توفير دعم لوجستي أو تسليحي، بل هي دول كانت ضمن التحالف السعودي الإماراتي ضد صنعاء، ما يجعل احتمال تهريب أي مساعدات عبر هذه المسارات مستبعداً تماماً.

ما نجحت به إسرائيل فعلياً هو مفاقمة الوضع الإنساني في اليمن، حيث كانت هذه الطائرة آخر أمل لكثير من المرضى الذين لا يستطيعون تحمّل السفر البري نحو عدن، ثم المغادرة من مطارات أخرى. وقد نددت عدة منظمات إنسانية بهذا الاستهداف، محذّرة من أن "تسييس الحركة الجوية المدنية يمثل انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي، ويحوّل المدنيين إلى أوراق ضغط في الصراع".

من ناحية أخرى، قد يكون استهداف المطار اختباراً لمواقف القوى الإقليمية والدولية. فالردود حتى الآن تراوحت بين الصمت والتنديد الخجول، ما قد يفسّره صناع القرار في تل أبيب على أنه ضوء أخضر غير مباشر للاستمرار في هذا النوع من الضغوط.

يظهر رد الفعل الإسرائيلي تجاه ضربات اليمن لمطار بن غوريون يُظهر أن تل أبيب تأخذ هذا التهديد على محمل الجد، وتحاول إجهاضه مبكراً من خلال الضغط الميداني والاستهداف الانتقائي.لكن هذه السياسة تنطوي على مخاطر. إذ أن الردود اليمنية آخذة في التطور من حيث المدى والدقة، وفي حال استمرت إسرائيل في استهداف منشآت مدنية، فإنها تخاطر بتصعيد قد لا يمكن احتواؤه بسهولة. اذ أن لدى إسرائيل الكثير لتخسره في ايلات وحيفا وتل أبيب تحديداً، على عكس صنعاء التي تعيش الحرب منذ أكثر من 12 عاماً.


* المادة نقلت من موقع الخنادق بتصرف