إيران... قلب المحور وروح الأمة الإسلامية
السياسية : محمد محسن الجوهري*
هي كذلك فعلاً؛ فمنذ انتصار الثورة وقيام الجمهورية الإسلامية في إيران، والدولة متمسكة بالنهج التحرري للأمة الإسلامية من الاحتلال والهيمنة الصهيو-أمريكية، وقدمت في سبيل ذلك تضحيات جسيمة تُعدُّ برهانًا على نهجها السليم، الهادف إلى تحرير فلسطين والعرب جميعًا.
لم تتخلَّ إيران يومًا عن القضية الفلسطينية بل كانت الدولة الوحيدة التي قطعت علاقاتها بـ"إسرائيل" نهائيًا منذ الأيام الأولى للثورة، وأغلقت سفارتها في طهران وحولتها إلى سفارة لفلسطين. ومنذ ذلك الحين، دعمت المقاومة في لبنان وغزة دعمًا سياسيًا وماديًا وعسكريًا، وكان لسلاحها وصواريخها الدور الحاسم في صمود حزب الله في حرب تموز 2006، وفي تعزيز قدرات فصائل المقاومة الفلسطينية في حروب 2008 و2014 و2021، وصولًا إلى معركة "طوفان الأقصى" التي أثبتت مدى تأثير حضورها الإقليمي.
ففلسطين، لم تكن بالنسبة لإيران شعارًا موسميًا، بل قضية مركزية ومحورًا عقائديًا في خطابها وممارساتها. فمنذ الأيام الأولى لانتصار الثورة، قطعت إيران علاقاتها بالكامل مع الكيان الصهيوني، وأغلقت سفارته في طهران، وسلّمتها رسميًا لمنظمة التحرير الفلسطينية في خطوة رمزية لا مثيل لها في العالم الإسلامي حتى اليوم.
وعمليًا، كان الدعم الإيراني للمقاومة الفلسطينية حاضرًا في كل محطة من محطات الصراع. فصواريخ "فجر" و"سجيل" و"قدس" التي دوّت في تل أبيب لم تكن لتبلغ مداها لولا الإسناد الإيراني المفتوح الذي شمل المال والسلاح والخبرة التقنية، حتى أصبحت فصائل المقاومة تمتلك قدرة ردع حقيقية أربكت حسابات الاحتلال في حروبه على غزة، لا سيما في أعوام 2008 و2012 و2014، ثم في معركة "سيف القدس" عام 2021، وبلغت ذروتها في "طوفان الأقصى" عام 2023، بل إن القادة الفلسطينيين من كافة أطياف المقاومة، وعلى رأسهم قادة "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، قد صرحوا مرارًا بأن إيران كانت ولا تزال الداعم الأكبر والأصدق للمقاومة في وقت تخلّى فيه العرب، وتآمر فيه المطبعون.
أما من يعادي إيران، رغم مواقفها العملية العظيمة، فهو إنما يشهد على نفسه بالولاء للصهيونية العالمية، كما هو حال أنظمة الخليج المتصهينة التي هرولت إلى التطبيع، وفتحت أبوابها للضباط الصهاينة، واستضافت الوفود الأمنية في عواصمها، وبثّت عبر إعلامها العداء للمقاومة والتشكيك في عدالة القضية الفلسطينية. تلك الأنظمة التي كانت تعيش حالة مزرية من الاستضعاف أمام إيران قبل انبثاق الثورة الخمينية العظيمة، لم تكن يومًا في موقع المقاومة ولا في خندق الأمة، بل كانت ولا تزال أدوات لتنفيذ أجندة الهيمنة الأمريكية وحماية المشروع الصهيوني.
لقد بات واضحًا أن العداء لإيران لم يكن يومًا بسبب خطر مزعوم على "الاستقرار الإقليمي"، كما تدّعي الأبواق الرسمية، بل لأنها فضحت بصمودها وانحيازها لفلسطين خيانة الآخرين، وكسرت الإجماع العربي المزيّف الذي صمت عن التطبيع، وتواطأ مع الحصار، وتماهى مع الخطاب الصهيوني باسم الواقعية السياسية، ولهذا فإن كل صوت يُعادِيها إنما يُعيد قولبة نفسه في صفّ الأعداء، شاء أم أبى، وإن لبس عباءة الدين أو ادّعى نصرة العرب. فالمواقف لا تُقاس بالشعارات، بل بما يُقدَّم من دم وسلاح في الميدان، وهناك فقط تتمايز الصفوف، ويسقط القناع.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب