سوريا المطبّعين.. الخضوعُ يقودُ لإذلالٍ أكثر!
رهيب التبعي*
في مشهد متكرّر أصبح عاديًا في نشرات الأخبار، استهدفت طائراتُ الاحتلال الصهيوني مجدّدًا العاصمة السورية دمشق ومحيطها، عبر سلسلة من الغارات العنيفة والمتواصلة لأكثر من أربع وعشرين ساعة، دون أن يُسمع أي ردّ يُذكر من النظام السوري، أَو حتى إدانة تحفظ الحد الأدنى من السيادة الوطنية. وكأنّ شيئًا لم يكن!
غاراتٌ ليست مُجَـرّد اعتداءات عسكرية بحتة، بل هي رسائل سياسية واضحة ومقصودة، تعكسُ مدى الإذلال والإهانة التي تقابل بها إسرائيل النظام السوري الجديد، الذي لم يعد يُخفي خضوعه وتواطؤه.
نظامٌ انزلق في مستنقع التطبيع غير المعلن، فصار أدَاة طيّعة بيد الاحتلال، وصنيعة من صناعاته التي يصوغها كيف يشاء، ثم يعاقبُها كلما اقتضت المصالح.
إنّ امتناع النظام عن الرد، بل والاكتفاء بالصمت المطبق، يكشف حالة الانبطاح الكامل التي بلغها، ويؤكّـد أن ما يسمّى بـ"محور المقاومة" لم يعد أكثر من شعار أجوف يُرفع في المناسبات بينما تسيل دماء الأبرياء في الواقع دون ثمن.
العدوّ الصهيوني بهذه الضربات لا يستهدف مواقع عسكرية فحسب، بل يستهدف هيبة دولة، وكرامة شعب، ويبعث برسالة تحذير إلى باقي الأنظمة المطبّعة، فحواها: "هكذا سنعاملكم جميعًا. خضوعكم لن يشفع لكم، بل سيزيد من إذلالكم". وهذا هو المصير الحتمي لكل من مدّ يده للتطبيع، وأدار ظهره لقضية الأُمَّــة المركزية: فلسطين.
لقد تحوّلت سوريا، التي كانت في يوم من الأيّام رمزًا لممانعةٍ ما، إلى نموذج لنظامٍ مطبِّع، ذليل، خانع، يقصف ليلًا ونهارًا ولا يجرؤ حتى على الشكوى.
وإنّ ما يحدث اليوم في دمشق، قد يحدُثُ غدًا في أية عاصمة عربية أُخرى إذَا لم تصحُ الشعوب، وتكسر قيود الصمت والتواطؤ.
إننا أمام مشهد يجب أن يُقرأ جيدًا: الاحتلال لا يحترم المطبّعين، بل يحتقرهم ويُمعن في إذلالهم.
والردّ الحقيقي لا يكون بالبيانات الجوفاء ولا بالصمت المخجل، بل بإرادَة تحرّر حقيقية تنبع من الشعوب لا من الأنظمة.
نعوذ بالله من زمنٍ أصبح فيه الانبطاح سياسة، والخيانة حكمة، والتطبيع وسيلة للبقاء.
* المقال نقل من المسيرة نت ويعبر عن رأي الكاتب