"ومكر أُولئك هو يبور".. ضربةٌ للاحتلال وخلاياه التجسُّسية
فهد شاكر أبوراس*
تمثل العملية الأمنية النوعية "ومكر أُولئك هو يبور" علامةً فارقة في مسيرة الصراع الذي يخوضه اليمن دفاعًا عن سيادته واستقلال قراره؛ فهي ليست مُجَـرّد ضربة استباقية ضد شبكة تجسسٍ هنا أَو هناك، بل تقويضٌ استراتيجيّ لخطةٍ ممنهَجة تابعة للاحتلال الصهيوني تهدف إلى زعزعة الاستقرار الداخلي، وتفكيك النسيج الاجتماعي، ونَسف القدرة الدفاعية للدولة من جذورها.
جاءت هذه العملية المحكَمة تتويجًا لمرحلةٍ طويلة من التحرّي والرصد والمتابعة الدقيقة، كشفت عن أبعادٍ خطيرة لمخطّطاتٍ عدوانية كانت تُحاك في الظلام.
فقد تمكّنت الأجهزة الأمنية اليمنية - بيقظةٍ استثنائية وحرفيةٍ عالية - من كشف وتفكيك غرفة عمليات استخباراتية مشترَكة تضمّ المخابرات الأمريكية، والموساد الإسرائيلي، والمخابرات السعوديّة، كانت تُدار من الأراضي السعوديّة لتشكيل خلايا تجسسية متعددة، تعمل بشكلٍ منفصل لضمان صعوبة الاكتشاف.
لكن يقظة أبناء اليمن كانت أسرع من خبث العدوّ، فانهار النسيج المعقد من الداخل، وانكشفت المؤامرة قبل أن تنضج ثمارها المسمومة.
اعترافاتٌ تكشفُ حجم المؤامرة
من اعترافات عناصر الشبكة - المعلَن عنها وغير المعلَن - يتضح حجمَ الخطر الذي كان يهدّد اليمن.
فقد زوّدت غرفة المخابرات المعادية تلك الخلايا بأجهزة تجسّس متطورة، ودرّبت عناصرها تدريبًا مكثّـفا على أيدي ضباط أمريكيين و"إسرائيليين" وسعوديّين داخل المملكة نفسها.
شمل التدريب استخدام الأجهزة، وكتابة التقارير الاستخباراتية، ورفع الإحداثيات بدقةٍ قاتلة، وإتقان فنون التمويه والتخفي.
وكل هذا يؤكّـد أن ما يُشنّ على اليمن ليس "حربًا عابرة"، بل حربًا استخباراتية محترفة، تُدار بعقلٍ استراتيجيّ وهدفٍ واضح: شلّ قدرة اليمن على الصمود.
التجسّس لم يقتصر على المنشآت العسكرية
لم يكتفِ العدوّ بتجسسٍ على القواعد العسكرية، بل تجاوز ذلك إلى رصد القيادات المدنية والعسكرية والأمنية، وتحديد أماكن تواجدهم، وتفاصيل حياتهم الشخصية، مما شكّل تهديدًا مباشرًا لأمنهم الشخصي، وخلّف خطرًا استراتيجيًّا على الأمن القومي.
والأدهى من ذلك: تورّط هذه الشبكة في سفك دماء مدنيين أبرياء.
فقد كانت تزوّد العدوّ الأمريكي–الإسرائيلي بإحداثيات دقيقة عن منشآت خدمية - كالأسواق والمساكن الشعبيّة - التي استُهدِفت لاحقًا؛ ما أَدَّى إلى استشهاد وإصابة العشرات من المدنيين.
إن هذا الفعل لا يُفسّر إلا في سياق حربٍ شاملةٍ على الشعب اليمني نفسه، لا على جيشه فقط، بل على وجوده، وإرادته، ومستقبله.
سياق التصعيد: ردًّا على إسناد فلسطين
يأتي تشكيل هذه الغرفة الاستخباراتية في ظل تصعيدٍ عدوانيّ واضح، كردٍّ يائس من قوى العدوان على الموقف اليمني الثابت دعمًا للقضية الفلسطينية، وعلى الإسناد الميداني المتواصل لشعب غزة في مواجهة آلة الإبادة الصهيونية.
فالعدوّ لا يغفر لليمن وقوفه إلى جانب الحق، لا بل يرى في هذا الموقف تهديدًا وجوديًّا لمشروعه في المنطقة.
ومن المهم أن نشير إلى أن اتّفاق وقف إطلاق النار بين صنعاء وواشنطن في مايو 2025 - الذي تبع حملةً من الضربات الجوية الأمريكية - لم يُنهِ الخطر، بل غيّر أدواته.
فبينما تراجعت الطائرات عن السماء مؤقتًا، تسللت الخلايا إلى العمق الاجتماعي، تحاول أن تزرع الشكّ، وتُفجّر الفتنة من الداخل.
ردعٌ استراتيجيّ يُعيد رسم المعادلات
لقد أثبت اليمن، عبر سلسلةٍ من الإنجازات النوعية - من تطوير الصواريخ الباليستية، إلى الطائرات والزوارق المسيرة السطحية والتحت مائية - أنه قادرٌ على فرض معادلة ردعٍ استراتيجية في البحر الأحمر وخليج عدن.
هذه القدرات لم تكن فقط دفاعًا عن الوطن، بل كانت رسالة واضحة إلى القوى الاستعمارية:
اليمـن لم يعد الحلقة الضعيفة، بل صار شوكةً في حلوق الغزاة.
ثقة الشعب وحصانة الأمن
كشف هذه المؤامرة يعزّز ثقة الشعب اليمني العظيم بأجهزته الأمنية والقيادية، ويؤكّـد أن الوعي الشعبي هو الدرع الأول في مواجهة أعداء الأُمَّــة.
فلم يكن هذا الإنجاز وليد الصدفة، بل نتاج تعاونٍ وثيق بين مؤسّسات الدولة وأبناء الشعب الواعين، الذين يقظتهم كانت السبب الأكبر في كشف الخونة وتفكيك شبكاتهم.
ومن هنا، تأتي رسالة واضحة ومباشرة لأعداء اليمن:
الأرض اليمنية ليست مرعىً لأجهزة مخابراتكم، والأمن الوطني خطٌ أحمر.
فكل مَن يحاول العبث به سيُواجه بيدٍ من حديد، وعقابٍ لا يُرحم.
نصرٌ استراتيجي، لا مُجَـرّد عمليّة
في النهاية، العملية الأمنية "ومكر أُولئك هو يبور" ليست مُجَـرّد إنجاز أمنيّ، بل انتصار استراتيجيّ؛ لأَنَّه:
أفشل مخطّطا تجسّسيًّا معقّدًا، كسر ثقافة التفوق الاستخباراتي للعدو، وأثبت أن البطولة الشعبيّة واليقظة الوطنية هما أقوى من كُـلّ الأسلحة المتطورة.
وبهذا، يُعلن اليمن للعالم - من خلال هذا الإنجاز وغيره - أنه لم يعد ذلك البلد الذي يُستَهان به، بل صار قوةً إقليميةً لا تُستَهان بها، قادرةً على حماية سيادتها، ومنيعةً أمام المؤامرات، ومنتصرةً بإذن الله، ثم بإرادَة أبنائها الأحرار.
﴿وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾ (سورة فاطر: 10)
* المقال يعبر عن رأي الكاتب
* موقع انصار الله

