الانتقال من الدفاع إلى الهجوم: تحول في الاستراتيجيات
طوفان الجنيد*
من المقولات الشائعة في المجال العسكري أن "الهجوم هو أفضل وسيلة للدفاع". ورغم صحة هذه المقولة وفعاليتها في العديد من السياقات والاستراتيجيات، خاصة في حروب العصر الحديث التي تختلف جذرياً عن نظيرتها القديمة، إلا أن الانتقال من موقف الدفاع إلى موقف الهجوم ليس مجرد تغيير تكتيكي بسيط، بل هو تحول استراتيجي جذري قد يقترب من دائرة المغامرة غير المحسوبة العواقب إذا لم يُدَرْس بعناية.
دعونا نستعرض في هذا السياق مقارنة بين استراتيجيات الدفاع والهجوم، ونحاول تطبيقها على واقع الصراع مع العدو الإسرائيلي وما يحيط بنا في المنطقة.
أولاً: الاستراتيجيات الدفاعية
ترتكز الاستراتيجية الدفاعية على عدد من الركائز الأساسية:
1. التجهيز والاستعداد: حيث يعد الإعداد الجيد مفتاح النجاح، ويجب أن تكون القوات في حالة استنفار دائم لصد أي هجوم محتمل.
2. إنشاء التحصينات: استخدام الخنادق والحواجز والمواقع المحصنة لتعزيز القدرة الدفاعية وإضعاف زخم الهجوم المعادي.
3. المراقبة والاستخبارات: تتبع تحركات العدو وتحليلها باستمرار لاكتشاف نواياه والتكهن باحتمالات هجومه.
4. تأمين خطوط الإمداد: ضمان تدفق التعزيزات والمؤن والعتاد اللازم لدعم صمود القوات المدافعة.
ثانياً: الاستراتيجيات الهجومية
بالمقابل، تختلف الاستراتيجيات الهجومية في تركيزها على:
1. التخطيط المحكم: لا مكان للارتجالية في الهجوم، فالتخطيط الدقيق والمفصل هو أساس أي عملية هجومية ناجحة.
2. سرعة التنفيذ والمبادرة: تعتمد العمليات الهجومية على الحركة السريعة والحاسمة لاقتناص الفرص ومنع العدو من لملمة صفوفه.
3. المفاجأة والخداع: استخدام عنصر المباغتة وخداع العدو بشأن الزمان والمكان والأسلوب لتحقيق صدمة تضعفه منذ البداية.
4. خلق التفوق النوعي: السعي لتحقيق تفوق في نقطة الاختراق، سواء كان عددياً أو في نوعية التسليح أو في كثافة النيران، لضمان اختراق الدفاعات.
تطبيق على الواقع: معادلة القوة والزمن
في ضوء هذه المعطيات، نجد أن الكيان الإسرائيلي يتمتع بتفوق تسليحي وتكنولوجي غير عادي، مدعوماً بدعم غربي – وأمريكي بشكل خاص – غير محدود، في ظل تراجع وتخاذل عربي مُشين.
لذلك، فإن الانتقال إلى الهجوم في مثل هذه الظروف يتطلب حكمة وصبراً. على القوات المدافعة أن "تتمهل لتعد العدة"، وأن تتحين توقيت "ساعة الصفر" المناسبة للانقضاض. يجب أن يرتكز هذا الانتقال إلى:
· تخطيط استراتيجي محكم يحدد بدقة الأهداف العسكرية والاقتصادية الحيوية للعدو، والتي تضرب في مقتله.
· تحضير لوجستي مكثف يؤمن جميع مستلزمات المعركة، من إمدادات وتعزيزات، لضمان استمرارية الهجوم.
· تنفيذ سريع وقوي يجمع بين عنصري المفاجأة والحسم لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة قبل أن يتمكن العدو من الاستجابة.
خاتمة: الدفاع حكمة حيناً والهجوم ضرورة حيناً آخر
يخلُص بنا القول إلى أن الانتقال من الدفاع إلى الهجوم هو عملية معقدة تتطلب نقلة نوعية في الفكر والاستراتيجية، واعتماد أساليب عصرية قادرة على مواجهة تحديات الحروب الحديثة لتحقيق نصر مؤزر.
أخيراً، إذا كنت قد حققت مكاسب استراتيجية معينة وأدركت أن العدو يحاول إخراجك منها، فإن الحكمة تقتضي الحفاظ على هذه المكاسب وحمايتها باستراتيجية دفاعية ذكية، تكون فيها "السردية الدفاعية" هي الخيار الأمثل والأكثر أماناً لصيانة هذا الإنجاز.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب

