أحمد داوود*

تاريخ البشرية على مر العصور مليءٌ بالأحداث والشواهد التي تذكِّرُنا بالخوَنة والعملاء، وبأهميّة الوقوف في وجه الاحتلال وأدواته، والدفاع عن الوطن بكل ما أوتينا من قوة.. كل الإمبراطوريات الاستعمارية تهاوت، وخرجت تجُرُّ أذيالَ الخزي والعار بعد سنوات من احتلال الأوطان، وقهر أبنائها، ونهب ثرواتها.


فالمستعمر لا هَــمَّ له سوى استعباد الناس، والدوس على رقابهم وكرامتهم، والمحتلّ لا أصدقاء له، حتى وإن ظهر ممتدحًا للكثير من الذين يقدِّمون له الخدمات على حساب أوطانهم، فَــإنَّه في نهاية المطاف يتركُهم ويتخلَّى عنهم، وأحيانًا يقتُلُهم ويأمر بحرق جثثهم.

هذا الحديث يأتي متزامنًا مع الذكرى الثامنة والخمسين لعيد الاستقلال أَو "عيد الجلاء"، وخروج آخر جندي بريطاني من اليمن، وفيه دروس وعِبَرٌ كثيرة.

فالاحتلالُ البريطاني الذي احتلَّ عدن وبعض المناطق في جنوبي البلاد، خرج في نهاية المطاف ذليلًا مدحورًا، لكن بلادنا عانت الظلم والويلات والتهميش والاستعباد طيلة 128 عامًا.

ولو أن المجتمع تحَرّك بكل جِدٍّ وعزيمة من أول يوم للمقاومة الشرسة للاحتلال، لما استمر كُـلّ هذه المدة.

ومع ذلك، لا ننكر وجود الكثير من الأبطال الحقيقيين الذين ضحوا بأرواحهم فداءً للوطن، لكنهم كانوا يواجهون احتلالًا قاسيًا مجرمًا لم يترك وسيلة من الإجرام إلا ومارسها بحق أبناء الشعب اليمني.

ومع هذا الإجرام، ارتمى البعض في أحضان الاحتلال كخوَنةٍ وعملاءَ ومرتزِقة، وكان كُـلُّ هَمِّهم هو مساعدة الغزاة بإخلاص وبكل الوسائل الممكنة ضد أبناء وطنهم، وهؤلاء مع مرور الوقت أصبحوا في مزبلة التاريخ.

واليوم، وللأسف الشديد، يتكرّر المشهد ذاتُه.

فالمحافظات اليمنية جنوب وشرق البلاد ترزحُ تحتَ وطأة احتلال إماراتي-سعوديّ، ينهب الثروات، ويعبث بخيرات البلد، ويقيم السجونَ والمعتقلات للتنكيل بالأحرار والمناهِضين لسياسته.

وهؤلاء الغزاة لا يختلفون عن البريطاني في حِقده وقذارته؛ فالسياسة هي نفسها "فَرِّقْ تسُد"، والظلم هو الظلم، والإجرام هو الإجرام، والأدوات والخوَنة يؤدّون الوظيفة والمهمةَ ذاتها.

وفي المشهد، تتضح الكثير من التفاصيل: فالخائن عيدروس الزبيدي والخائن طارق عفاش أبرز أدوات الاحتلال الإماراتي، والخائن الأكبر رشاد العليمي أحد أدوات أمريكا والسعوديّة، وحتى بعضُ أصحاب اللحى الحمراء والشعارات الدينية البرّاقة من حزب (الإصلاح) تحولوا إلى أدوات عميلة وخائنة ضد البلد خدمةً للمحتلّ السعوديّ.

ويمكن القولُ بكل ثقة وتأكيد إنه لولا هؤلاءِ الخونةُ لما تمكّن الإماراتي والسعوديّ من احتلال اليمن، والسيطرة على أهم ثرواته ومنابعه النفطية والغازية.

ولولا هؤلاء الخونة لما وصل البلد إلى هذه الحالة من الانقسام والتردّي المعيشي وتزايد معدلات الفقر والبطالة.

فكل خنجر مسموم ضد اليمن مصدرُه السعوديّة والإمارات، وبأدواتٍ محلية تُتْقِنُ دورَ العمالة والارتزاق بحرفية عالية.

لكن مع ذلك، فَــإنَّ التاريخ يذكّرنا بدروسه القيمة: لا مكان للغزاة والمحتلّين في أرض ليست مِلكًا لهم.

ومثلما خرج البريطاني مدحورًا من اليمن، سيخرج الإماراتي والسعوديّ، ومثلما تهاوت عروشُ الخوَنة السابقين، ستتهاوى عروشُ خوَنة اليوم.

ونحن، ولله الحمد، في مرحلة وعي ومعرفة شاملة بخفايا الغزاة، وشعبُنا في جاهزية عالية لطردِهم.

وبالتعاون والثقة، والالتزام بتوجيهات السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله)، سنحقّق الانتصارَ الكبير، وسندحر المحتلّين من أرض الوطن، وسنحتفل قريبًا بعيد استقلال جديد.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب
* المسيرة نت