السياسية:

أحمد صبري السيد علي*



في وقت تتّجه كل أنظار العالم بقلق لمتابعة تداعيات الاعتداء الأمريكو-صهيوني على الجمهورية الإسلامية في إيران، ثمة صراع آخر تديره الولايات المتحدة في أفريقيا بهدف السيطرة عليها. وإذا كانت الاعتداءات على إيران جزءاً مهماً من هذا الصراع الذي يسعى لفضّ التحالف الضمني بينها (أي إيران) وبين كل من روسيا والصين، بالإضافة إلى دول أخرى مثل كوريا الشمالية وباكستان، وبالتالي القضاء على مشروع "طريق الحرير" الصيني، فإن الصراع بين تحالف الهيمنة الأمريكية والتحالف المناهض له لن يحسم إلا لمصلحة الطرف الذي يتمكن من اجتذاب القارة الأفريقية إلى صفوفه، والتي تمتلك القدر الكافي من الثروات المرجّحة لكفة أي من الطرفين. وهذا ما يدفع الأمريكيين إلى محاولة العودة إلى القارة السمراء بعد فترات طويلة من الإهمال.

سابقاً كان الاهتمام الأمريكي بأفريقيا يقتصر على محاولة مواجهة التوغّل الشيوعي في القارة بعد الانتصارات التي حققتها حركات التحرر في الستينيات والسبعينيات، وقد اعتمدت في هذه المهمة على دعم بعض الدول الحليفة والدول المتخوفة من التأثير الشيوعي كالكيان الصهيوني، الذي كان له تركيز على العلاقات مع أفريقيا منذ ما قبل إعلانه رسمياً في 1948، والسعودية وكلتا الدولتين قامتا بجهد كبير لمكافحة التأثير التحرري (الناصري والشيوعي) في القارة الأفريقية معتمدتين على الدعم المصري في فترة رئاسة السادات، الذي انقلب على سياسات سلفه الزعيم عبد الناصر.

بيد أن تقلص التوجهات التحررية ثم سقوط الاتحاد السوفياتي لم يجعلا القارة الأفريقية مساحة فارغة بالنسبة إلى الأمريكيين، فقد كان هناك عديد من المنافسين، لعل أهمهم أحد حلفائها في "الناتو" وهي فرنسا، ثم برز لاحقاً منافسون آخرون أكثر خطورة مثل الثلاثي: الصين، روسيا وإيران، وقد اصطدم هذا الثلاثي بالوجود الفرنسي في أفريقيا، ومؤخراً تمكّن إلى حدّ كبير من فرض وجوده في القارة الأفريقية عبر عدد من الانقلابات والثورات المعادية للوجود الفرنسي في دول الساحل، بالإضافة إلى وجوده الاقتصادي عبر التوغل الصيني في أفريقيا.

وقد أبدى بعض المحللين استغرابهم من البرود الأمريكي تجاه هذه الأحداث، طارحين تساؤلات ما إذا كان لدى الأمريكيين خطة لإزاحة النفوذ الفرنسي من أفريقيا حتى ولو كان بواسطة الروس، وهو ما يلتقي مع تحذيرات بريجنسكي من التطلعات الفرنسية في أفريقيا والبحر المتوسط.

لكن الواضح في المرحلة الأخيرة ومنذ الإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير أن الأمريكيين يرغبون في دفع حلفائهم إلى ممارسة نشاط أكبر في القارة الأفريقية والسيطرة عليها لكن تحت قيادة الإمارات هذه المرة، بعد أن أدّت المواجهات الأخيرة في الشرق العربي منذ تحرير جنوب لبنان سنة 2000 إلى تقليص قدرات الكيان الصهيوني، كما أسهمت أحداث الحادي عشر من سبتمبر في تراجع النفوذ السعودي وتآكله تدريجياً.

في البداية، من الضروري الإشارة إلى أن الإمارات وفي عام 2024، قامت الولايات المتحدة بتصنيفها كشريك دفاعي رئيس، وهو لقب تشاركه فقط مع الهند، ومن المؤكد أن مثل هذا التصنيف لم يكن عبثياً أو مجاملة دبلوماسية، وهو ما ينطبق على الهند كذلك. وفي المقابل، فثمة شراكة استراتيجية شاملة بين البلدين المتحالفين مع الولايات المتحدة تضاف إلى التعاون الاقتصادي بينهما.

لقد برزت في الفترة الأخيرة بعض الأحداث في أفريقيا لم تنل حظها من المتابعة الإعلامية وهي بالتحديد ثلاثة مواقف: الأول: توجيه الحكومة السودانية اتهامات علنية إلى دولة الإمارات بتمويل وتسليح ميليشيات "الدعم السريع". الثاني: الاتهامات الجزائرية العلنية إلى الإمارات بخصوص نشاطها في الداخل الجزائري ودول الساحل الأفريقي على الحدود الجزائرية. الثالث: اتفاقية السلام بين رواندا والكونغو الديموقراطية التي خرجت فجأة للعلن في توقيت العدوان الذي شنّه الكيان الصهيوني على إيران.

ما طبيعة التدخل الإماراتي في السودان؟

في فترة رئاسة عمر البشير، سعت الإمارات للاستثمار في مجال الزراعة في السودان حيث قامت بزراعة 50 ألف هكتار ووضعت خططاً مستقبلية لزراعة 160 ألف هكتار بهدف تأمين الغذاء والمواد الزراعية للإمارات التي تستورد 90% من احتياجاتها الغذائية، وفي ديسمبر 2022 عقدت الإمارات اتفاقاً مع الحكومة السودانية يقضي باستثمار 6 مليارات دولار لتشغيل وتطوير ميناء أبو عمامة (يبعد من ميناء بورتسودان 230 كم)، كما يتضمن الاتفاق منطقة اقتصادية ومطاراً ومنطقة زراعية تبلغ 500 ألف فدان، بالإضافة إلى إنشاء طريق بطول 450 كيلومتراً لربط الميناء بمنطقة أبو حمد الزراعية في ولاية نهر النيل بتكلفة تصل إلى نصف مليار دولار. وكان المقابل هو حصول السودان على نسبة 35% من صافي الأرباح. وكنوع من التحفيز والضغط على الحكومة السودانية، عرضت الإمارات على الحكومة السودانية وضع مبلغ 300 مليون دولار في البنك المركزي السوداني لإنعاش العملة الوطنية.

هذا المشروع لم يكن خالصاً للإمارات فقط، فثمة وجود صهيوني في الخلفية أشار إليه بعض الرافضين للمشروع، مؤكدين أن اجتماعاً جرى بين إماراتيين وصهاينة وبين مجموعة "دال" السودانية وهي الشريك السوداني للإماراتيين، في مدينة دبي استمر لثلاثة أيام بخصوص صفقة ميناء أبو عمامة.

هذا المشروع تم تجميده لاحقاً عقب اشتعال الصراع بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، ويبدو أن النفوذ الإماراتي كان أحد أسباب هذا الاشتعال الأهلي في السودان، فالصين التي تملك رصيداً كبيراً من العلاقات الاقتصادية في السودان سعت لإيقافه كونه يهدد ميناء بورتسودان وموانئ أخرى تتعامل معها، وكان لهذا الرفض الصيني دوره في إثارة غضب المجتمعات المحلية في منطقة شرق السودان حيث تسيطر قبائل البجا، نظراً لتأثيره السلبي على الموانئ الأخرى والتي يعمل فيها أبناء هذه القبائل وتعاني بدورها من الإهمال الحكومي، وقد اتهمت قبائل البجا الإمارات بأنها تسعى لنهب السودان، وتفرض اتفاقيات غير عادلة تمنحها أرباحاً ضخمة مقابل مكاسب ضئيلة لهذه المجتمعات. ولاحقاً، قام الجيش السوداني بإنشاء قاعدة بحرية في المنطقة نفسها في إشارة إلى إنهاء هذا الملف.

لم يكن من الغريب إذاً أن توجّه الحكومة السودانية اتهامات على الإمارات بدعم قوات "الدعم السريع" عسكرياً، فالعلاقات بين الطرفين سابقة على المواجهة، وتوّجت بإرسال قائدها حميدتي جنوداً سودانيين شاركوا في العدوان السعودي الإماراتي على اليمن، وتعتمد الإمارات على قوات "الدعم السريع" في حماية مشروعاتها الزراعية ومناجم الذهب التي تتركز في مناطق سيطرتها، وهي تأمل أن تسيطر هذه القوات على شرق السودان بما يحقق لها تنفيذ مشروعها في ميناء أبو عمامة، والأهم تحجيم الوجود الروسي والصيني في المنطقة، بالإضافة إلى الوجود الإيراني، والذي يتعاطف كالصينيين مع الجيش السوداني.

أما الموقف الروسي فقد كان داعماً لقوات "الدعم السريع" في البداية، لكن تغير لاحقاً لمصلحة الجيش السوداني بعد الاتفاق على تأسيس مركز لوجستي روسي في مدينة بورتسودان، الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني، من المقرر توسعته على المدى الطويل إلى قاعدة بحرية. وهذه القاعدة ستجعل روسيا حاضرة بقوة في البحر الأحمر وشرق أفريقيا.

على الجانب المصري، وهو بطبيعة الحال الأكثر اهتماماً بالأوضاع في السودان، فقد كان الموقف واضحاً منذ البداية في تبنّيه دعم الجيش السوداني، ليس فقط لكونه المؤسسة رسمية، وإنما نظراً لخطورة هذه التحركات الإماراتية على الأوضاع المصرية، سواء الاقتصادية أو السياسية، فمشروع ميناء أبو عمامة يمثل تهديداً للموانئ البحرية المصرية كميناء سفاجا على البحر الأحمر، ومشروع ميناء العين السخنة المصري، والذي تديره شركة إماراتية كذلك، بالإضافة إلى المنطقة اللوجستية في قناة السويس. كما تشعر مصر بقدر كبير من القلق من المشروع الإماراتي بمحاولة ربط السودان بطرق حديدية مع كل من أثيوبيا وتشاد في ظل التوتر في العلاقات بين مصر وأثيوبيا مؤخراً في مقابل العلاقات القوية بين الإمارات والحكومة الأثيوبية، وكان لدعم الإمارات للأخيرة دور كبير في انقلاب نتائج معاركها مع التيغراي لمصلحتها. وربما استشعرت الحكومة المصرية خطورة هذه المشروعات الإماراتية على علاقاتها بدول حوض النيل، والتي تحظى بوجود ضخم للاستثمار الإماراتي.

من ناحية أخرى، وجدت مصر نفسها محاصرة بالاضطرابات من كل الاتجاهات: السودان، ليبيا وغزة ما يؤدي إلى تحجيم وإضعاف دورها في محيطها العربي والأفريقي، ومثل هذه التوترات تصبّ في مصلحة الثلاثي المنافس للدور المصري (الإمارات – الكيان الصهيوني - تركيا).

لكنّ الموقف الذي قد يستفز مصر بدرجة كبيرة هو نجاح قوات "الدعم السريع" في الاستيلاء على المثلث الحدودي في العوينات (سلسلة جبلية)، والذي تلتقي عنده الحدود المصرية/السودانية/الليبية، وهي منطقة اقتصادية مهمة تحتوي على ثروات كالذهب والغرانيت والسانايت، وتوجد دراسات حول وجود خزان جوفي ضخم من المياه يمكن استغلاله في الزراعة، وهناك بالفعل مناطق شاسعة صالحة للزراعة في هذه المنطقة، وقد أقامت مصر مشروعات لاستغلالها كمشروع شرق العوينات الزراعي ومشروع للتغذية الكهربائية، كما تعدّ هذه المنطقة ممرات للتهريب سواء البضائع أو البشر، ومن المؤكد أن وجود قوات "الدعم السريع" في هذه المنطقة يهدد الأمن المصري.

ما الذي تريده الإمارات من مشروعها في السودان؟

تسعى الإمارات لخلق نفوذ إقليمي في أفريقيا عبر سلسلة من الموانئ اللوجستية، سواء مدنية أو عسكرية، بدءاً من جزيرة سقطري في اليمن وامتداداً إلى الصومال والقرن الأفريقي وحتى السودان، كما قامت شركة موانئ دبي العالمية في أكتوبر من العام الماضي بتوقيع اتفاق مع حكومة تنزانيا لاستئجار وتشغيل أربعة أرصفة في ميناء دار السلام من أصل 12 رصيفاً لمدة 30 عاماً، بقيمة 250 مليون دولار، وهو الميناء الذي يقدم خدمات للدول غير الساحلية في شرق أفريقيا وجنوبها المنتجة للنحاس ومعادن الطاقة الخضراء (الليثيوم، النيكل، الكوبالت، الجرافت...الخ)، بما يجعل الميناء بوابة بحرية لهذه الدول. في حال التأسيس لميناء أبو عمامة، فمن المؤكد أن الإمارات عبر هذه المجموعة من الموانئ ستقوم بالقضاء على تنافسية الموانئ الأخرى في مصر والسودان، ما يسهم في إضعاف دور الدولتين العربي والأفريقي، خصوصاً مصر، لمصلحة الدور الإماراتي.

لكنّ الأمر لا يتوقف على تهديد الدور المصري والاستقرار السوداني، فثمة اتهامات وجّهتها الجزائر إلى الإمارات بمحاولة تهديد أمنها، سواء الداخلي أو في محيطها الإقليمي، عبر تدخلاتها في كل من ليبيا ودول الساحل الأفريقي (النيجر، بوركينا فاسو ومالي) وصولاً حتى السنغال.

لقد اعتمدت الإمارات على تشاد، التي تربطها بها علاقات قوية للغاية، كقاعدة جيوسياسية للتوغل، سواء في ليبيا عبر دعم قوات الجنرال خليفة حفتر، أو في دول الساحل الأفريقي والتي شهدت مؤخراً انقلابات عسكرية معادية للوجود الفرنسي، وحريصة على علاقات خاصة مع روسيا، لكن الفراغ الذي تركه الفرنسيون وفشل الروس في الوجود بنفس بالمستوى نفسه بعد بدء معاركهم في أوكرانيا، ثم سقوط نظام البعث في سورية، ساهم في خسائر كبيرة لهم في القارة الأفريقية حاولت الإمارات استغلالها عبر وسيلتين: الأولى، المساعدات المالية والأمنية التي قدمتها لهذا الدول. والثانية، خلق توتر في العلاقات بينها (أي دول الساحل الأفريقي) وبين الجزائر ما أدى إلى قيام هذه الدول بسحب سفرائها من الجزائر، وهو ما واجهته الجزائر بالمثل متهمة الإمارات بدور كبير في هذا التطور السلبي لعلاقاتها مع دول الجوار.

ويلتقي هذا النفوذ الإماراتي الاقتصادي والأمني في هذه المنطقة بالنفوذ المغربي المدعوم أمريكياً كذلك، والذي يتخذ صورة الدعم الديني والتعاون الأمني، حيث يقوم المغرب بمحاولة نشر تصور صوفي للدين الإسلامي عبر دعم الطرق الصوفية المنتشرة في هذه المنطقة، ويتبنى التصوف السني الأشعري والمذهب الفقهي المالكي، كما يتعاون أمنياً مع هذه الدول لرصد وضع المجموعات المتطرفة في المنطقة. ويلقى المغرب دعماً إماراتياً في مشروع خط الغاز النيجيري، والذي من المتوقع أن يمر بدول الساحل الأفريقي، لكن كانت هناك منافسة بين المغرب والجزائر حول نقطة النهاية لهذا الخط على البحر المتوسط قبل أن يتجه إلى أوروبا، ويبدو أن الدعم الثلاثي (أمريكا، الكيان الصهيوني والإمارات) للمغرب قد حسم الأمور لمصلحته.

هنا، يمارس التوغل الإماراتي الحصار نفسه حول الجزائر كما مارسه مع مصر. لكن، ما يضاف إلى الوضع الجزائري هو التهديد الصهيوني العلني الموجّه إليها خاصة مع ما كشفته بعض التقارير عن استشهاد ضباط جزائريين في الاعتداء الصهيوني على الجمهورية الإسلامية في إيران، ما أشار إلى وجود تعاون عسكري وأمني وتكنولوجي بين البلدين في مجالات الدفاع والطيران المسير، يبدو أنه صار أكثر قوة بعد تنبّه الجزائريين لما يحيطهم من تهديدات، وفي الوقت نفسه محاولة إيران تعويض اضطرارها للخروج من سوريا عبر تعاون مع الجزائر كدولة معروفة بمواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية ورفضها التطبيع والاعتراف بالكيان الصهيوني.

إذاً، تسعى الإمارات كوكيل عن الأمريكيين إلى السيطرة على القارة الأفريقية، وكداعم للوجود الصهيوني في القارة، عبر شبكة كبيرة من الموانئ المحيطة بأفريقيا عموماً، والتي تقترن بعلاقات اقتصادية في مجالات الزراعة والأمن والمعادن الثمينة، ما منحها القدرة على التأثير في الأوضاع الأفريقية، كما سبقت الإشارة في أثيوبيا، بالإضافة إلى دوره في الضغط على الحكومة السودانية للقبول بعلاقات مع الكيان الصهيوني وهو ما لم يتم بشكل فعلي بعد نشوب الحرب بين الجيش و"الدعم السريع".

أما الدور الأبرز فتمثل في معاهدة السلام التي جرت تحت رعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بين الكونغو ورواندا، والتي تنهي الصراعات في منطقة شرق الكونغو الديموقراطية وتؤمن لكل من الإمارات والولايات المتحدة سلاسل إمداد مستقرة للمعادن الحيوية التي تحظى بها هذه المنطقة كالكوبالت والليثيوم والقصدير، وقد برزت الحاجة الضرورية إلى هذا الاتفاق بعد أن قررت شركة IRH الإماراتية (بحسب بلومبرغ) شراء حصة في مجمع "بيسي" الكونغولي الذي تديره شركة "ألفامين" لإنتاج القصدير والذي يوجد في المنطقة المتنازع عليها في شرق الكونغو في سنة 2024. ولم يكن غريباً أن الاستثمار الإماراتي في كلا البلدين يشهد توسعاً كبيراً في الفترة الأخيرة، وخصوصاً بالنسبة إلى الكونغو والتي تعدّ الشريك التجاري الثاني عشر لدولة الإمارات ضمن الدول الأفريقية غير العربية في سنة 2022، وبلغ حجم التجارة بينهما قبل توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة في أبريل الماضي 3.1 مليار دولار، أما رواندا فالإمارات هي الشريك التجاري الأول لها وتحظى بنسبة 50% من صادراتها.

ومن الغريب أن مثل هذه المشروعات الإماراتية، والتي تلتقي مع تصاعد النفوذ الهندي في الخليج وشرق أفريقيا (وهما يرتبطان بعلاقة شراكة استراتيجية)، لم تجد مواجهة حقيقية من قبل الصين وروسيا، بالرغم من أنها تصب في محاولة تقليص النفوذ الصيني الاقتصادي والدور الروسي العسكري، في مقابل الدور الأمريكي، بل يبدو أن كليهما لم يجد مشكلة مع المسعى الإماراتي نظراً للعلاقات القوية بين الإمارات والدولتين. لكن، في المقابل، يبدو أن الدور الإماراتي في كل من مصر والسودان والجزائر والساحل الأفريقي مؤخراً بدأ يثير ريبة الروس والصينيين معاً، فيما تمكن الإيرانيون من تسجيل خرق في المشروع الإماراتي عبر العلاقات التي أقامتها في السودان ودعمها للجيش، وهو ما أسهم في تحسين علاقاتها مع مصر مؤخراً.

يبقى التأكيد أن هذا الصراع الهادئ حتى الآن حول القارة الأفريقية ليس بعيداً من الصراع الحالي بين أمريكا وحلفائها، وبين الدول الرافضة للهيمنة الأمريكية، سواء في أوكرانيا أو إيران ولبنان وغزة، بل ربما كانت أفريقيا هي موضع الصراع الأكثر تأثيراً لترجيح كفة أحد التحالفين. لكن هذا الهدوء من المؤكد أنه لن يستمر طويلاً، إذا صدقت التهديدات الصهيونية التي وجّهت إلى الجزائر، وعدّتها نسخة أخرى من إيران في أفريقيا، واحتمالات تعرضها لضغوط أميركية وأوروبية، وهو ما قد يشتعل سريعاً بعد الفشل الأمريكو-صهيوني في إخضاع إيران، وفي هذه اللحظة قد يتخذ الصراع صورة مغايرة تماماً.



* المادة نقلت من الميادين نت