السياسية || محمد محسن الجوهري*

هذه العبارة الشهيرة قالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2018، وبالفعل من يملك السلاح النووي فإنه فوق مستوى التحديات، وبما أن إيران تتعرض لخطر وجودي من خصومها في واشنطن وتل أبيب، فإن من حقها امتلاك القنبلة النووية، ليس من باب التهديد أو التوسع، بل من منطلق الدفاع المشروع في عالم لا تحكمه القوانين بقدر ما تحكمه موازين القوى. فطهران لا تملك رفاهية التفرج على قدرها، وهي ترى من حولها دولًا تُهدد وجودها صراحة دون رادع فعلي. والسلاح النووي في مثل هذا السياق لا يُعتبر عدوانًا، بل ضرورة وجودية، وسقفًا من الحماية يُردع من تسوّل له نفسه المغامرة بضرب دولة ذات سيادة.

إن تجربة العالم المعاصر مع السلاح النووي تُثبت أن امتلاك هذا النوع من الردع هو أحد أهم أسباب بقاء الأنظمة واستقرارها في وجه الضغوط والحروب. فالدول التي امتلكت السلاح النووي، ككوريا الشمالية مثلًا، استطاعت أن تُفلت من سيناريوهات الغزو والتفكيك، رغم كل العقوبات والعزلة. وفي المقابل، لم تكن ليبيا أو العراق تملكان هذا الردع، فسقطتا فريسة للعدوان المباشر أو الانهيار الداخلي. وهذا يُعيد طرح السؤال الكبير: لماذا يُسمح لدول معينة بامتلاك هذا السلاح بينما يُحرَّم على أخرى، فقط لأنها خارج دائرة النفوذ الغربي؟

تخضع إيران، بوصفها طرفًا موقّعًا على معاهدة عدم الانتشار النووي، لقيود صارمة تحظر عليها امتلاك القنبلة النووية. لكن المفارقة أن الدول النووية نفسها، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لم تلتزم بواجباتها المقابلة المنصوص عليها في المعاهدة ذاتها، والتي تفرض عليها التدرج في نزع السلاح النووي. وبدلًا من ذلك، واصلت هذه الدول تحديث ترساناتها، وتوسيع مظلتها النووية، والتلويح بها كسلاح تهديد وردع ضد الدول الخارجة عن عباءتها السياسية.

أما "إسرائيل"، الخصم الإقليمي المباشر لإيران، فتمتلك ترسانة نووية خارج كل أطر الرقابة الدولية، وترفض التوقيع على المعاهدة، بل تتهرب من أي التزام في هذا الشأن، ومع ذلك تحظى بدعم غربي كامل وغض طرف شامل عن أنشطتها النووية. فأي عدالة هذه التي تُلزم إيران بقيود لا تُلزم بها "إسرائيل"، وتعاقب طهران لمجرد أنها تُطالب بمعاملة متوازنة تحفظ لها أمنها القومي؟
البعض يُحذر من أن امتلاك إيران للسلاح النووي سيشعل سباق تسلّح نووي في الشرق الأوسط، لكن هذه الحجة تحمل في طياتها تناقضًا صارخًا. فهل يُطلب من إيران أن تظل عارية استراتيجيًا لأن غيرها قد يقلّدها؟ وإذا كان الأمن القومي حقًا سياديًا، فإن من الطبيعي أن تسعى كل دولة لتحقيق الحد الأدنى من توازن الردع، لا سيما في منطقة متفجرة بالصراعات مثل الشرق الأوسط.

إيران، رغم كل ذلك، أعلنت مرارًا أن برنامجها النووي لأغراض سلمية، وأنها لا تسعى إلى إنتاج سلاح نووي، بل إن أعلى سلطة دينية فيها حرّمت امتلاك هذا السلاح شرعًا. لكنها، في الوقت ذاته، تدرك أن ما يُمنع اليوم باسم الأخلاق، قد يُفرض غدًا بمنطق البقاء. ومن هذا المنطلق، فإن امتلاك القدرة النووية — أو التلويح بها — يُعد رسالة إلى العالم بأن إيران لن تكون الطرف الأضعف في معادلة وجودية تُدار بقوة السلاح لا بقوة الحجة.

إن الحديث عن نزع السلاح النووي لا يكون مُجديًا إذا ظل محصورًا على دول بعينها، بينما تُترك القوى الكبرى وأقرب حلفائها خارج المحاسبة. وإذا كان المجتمع الدولي يرفض ازدواجية المعايير، فعليه أن يقف موقفًا متزنًا يُخاطب الجميع بالقواعد ذاتها. أما أن يُجرّم طموح إيران الدفاعي، ويُشرعن احتكار "إسرائيل" وأمريكا للسلاح النووي، فتلك ليست عدالة، بل هندسة للهيمنة، وهكذا، فإن مطالبة إيران بحماية نظامها وشعبها عبر امتلاك القوة الرادعة ليست خرقًا للنظام العالمي، بل ردّ على خرقه، وليست دعوة للحرب، بل خطوة نحو منعها. وكما قال بوتين: لا أحد يهاجم من يملك القنبلة النووية، لأنه يعلم أن الرد سيكون مدمرًا. وتلك هي فلسفة الردع التي صنعت ما يشبه السلام في عالم لا يعرف السلام.


* المقال يعبر عن رأي الكاتب