السياسية - تقـــــرير :

تجتاح العالم مؤخرا موجة استنكار دولي واسعة تدين وترفض استمرار جريمة حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وتطالب الكيان الإسرائيلي بإيقاف الحرب فورا.

وتجاوزت الموجة بيان وزراء خارجية 25 دولة بينها بريطانيا وفرنسا ودول تشكل أرقاما كبرى في العالم، إلى المنظمات والمكونات الدولية؛ ويضاف إليها ما يصدر من تصريحات سياسية تتواتر على مدار الساعة الإخبارية اليومية تؤكد أن ما يحصل في قطاع غزة يمثل خرقا وإدانة لنواميس الحضارة البشرية ومعايير أخلاق الحياة الإنسانية؛ بل بلغ بهذه التصريحات أن أدانت الصمت العالمي، وحملت دول العالم مسؤولية اتخاذ موقف حقيقي يعمل على إيقاف المذابح، التي يرتكبها جيش العدو الإسرائيلي يوميًا في قطاع غزة؛ راميًا بعرض الحائط كل المواثيق والقوانين الدولية ومدونات الأخلاق الانسانية.

لكن تبقى هذه المواقف الدولية في مربع الصوت؛ ولم تتجاوز دائرة القول ، بينما الفعل الإسرائيلي لم يتوقف لساعة عن إزهاق الأرواح، وتدمير كل شيء في القطاع؛ علاوة على تزايد مؤشرات النزف في الحالة الإنسانية القائمة لسكان غزة من تجويع وتعطيش ونزوح وتهجير، وعلى الرغم من كل ذلك تلاحقهم الصواريخ والقذائف الصهيونية وتقتلهم جوعى وعطشى، ومن لم تقتله الصواريخ والقذائف ينال منه الجوع والعطش وسوء التغذية ورصاص مراكز توزيع المساعدات الأمريكية.

يفتك الجوع بغزة المدمرة بعد إحكام الكيان الصهيوني حصاره وإغلاق المعابر لأكثر من 140 يومًا، ومنعه إدخال المساعدات الإنسانية والغذائية والطبية بالتوازي مع إبادة جماعية يرتكبها الكيان المجرم في القطاع بالقصف جوا وبرا وبحرا على مراكز الإيواء وخيام النازحين.

وأمام ما يتعرض له سكان غزة المدنيين من تجويع ممنهج وحصار قاتل وجريمة إبادة جماعية، ترتكب بحقهم، من قتل وتهجير قسري، وتدمير للبنية التحتية، وانتهاكات لحقوق الإنسان، فالمجتمع الدولي والعالم بأكمله مطالب أكثر من وقت مضى باتخاذ إجراءات عملية لوقف جريمة الإبادة الجماعية والتجويع فورا، وممارسة أقصى الضغوط وفرض العقوبات على هذا الكيان المجرم، دون الاكتفاء بالتنديد، لأن ما يجري في غزة "جريمة مكتملة الأركان ترتكب تحت أنظار العالم" دون تحرك حقيقي لوقف هذه الجرائم.


جرائم نازفة ووقائع دامية


وهنا؛ انتقد المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فيليب لازاريني، اليوم الثلاثاء، بشدة ما يُسمى برامج توزيع المساعدات في قطاع غزة، وفي مقدمتها "مؤسسة غزة الإنسانية"، واصفًا إياها بـ"فخ مميت سادي".

وأشار لازاريني، في تصريحات صحفية، إلى أن قناصة جيش العدو الإسرائيلي يفتحون النار بشكل عشوائي على الحشود التي تتزاحم للحصول على الطعام، وكأنهم يحملون "رخصة للقتل"، وسط مطاردات جماعية للمواطنين الفلسطينيين دون أي مساءلة أو محاسبة، وفقا لوكالة "قدس برس" الفلسطينية.

وأضاف أن المجاعة تشتد يومًا بعد آخر في قطاع غزة، ولا أحد بمنأى عنها، مشيرًا إلى أن الأطباء والممرضين والصحفيين والعاملين في المجال الإنساني أصبحوا يعانون من الجوع الشديد، ويُغمى على الكثيرين منهم أثناء أداء مهامهم من شدة الإرهاق وسوء التغذية.

وذكر المفوض العام لـ"أونروا" أن هذا "لا يمكن أن يكون هو الوضع الطبيعي الجديد"، مشددًا على أن المساعدات الإنسانية لا يجوز أن تتحول إلى مهمة ينفذها المرتزقة.

وفي ذات السياق، حذر مدير مستشفى الشفاء، الدكتور محمد أبو سلمية، من أرقام "مخيفة" قد تُسجَّل خلال الأيام المقبلة نتيجة تفشي المجاعة، مؤكدًا أن نحو 900 ألف طفل في غزة يعانون من الجوع، فيما دخل 70 ألفًا منهم مرحلة سوء التغذية الحاد.

وقال أبو سلمية، في تصريحات صحفية، اليوم الثلاثاء، إن حصيلة ضحايا المجاعة في قطاع غزة ارتفعت إلى 21 شهيدًا خلال الساعات الأخيرة، محذرًا من "أرقام مخيفة" من الوفيات في الأيام المقبلة بسبب التجويع المتعمد الذي يتعرض له سكان القطاع.

وأعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة، في وقت سابق اليوم الثلاثاء، عن وفاة 15 فلسطينيًا بينهم 4 أطفال خلال الساعات الـ24 الماضية، نتيجة المجاعة وسوء التغذية المتفاقمين بفعل الحصار الإسرائيلي المتواصل على القطاع.

وبذلك، يرتفع إجمالي عدد وفيات المجاعة وسوء التغذية إلى 101 حالة، بينهم 80 طفلًا.

وأكدت الوزارة أن مراكز توزيع "المساعدات" تتعرض لهجمات إسرائيلية متكررة، كان آخرها خلال الساعات الماضية، حيث استُشهد 5 مدنيين وأُصيب 52 آخرون، ليرتفع بذلك عدد ضحايا استهداف ما بات يُعرف بـ"مصائد الموت" الأمريكية إلى 1,026 شهيدًا و6,563 جريحًا، في واحدة من أبشع صور الاستغلال الإنساني وتحويل الإغاثة إلى فخ قاتل للمدنيين.

وقبل أن يصدر بيان يطالب بايقاف الحرب على غزة فورا من 25 دولة كان قد صدر بيان ل80 دولة يطالب بإيقاف هذه الحرب الوحشية، وبين البيانين تتواتر التصريحات لكن دون تحرك عملي حقيقي.

وفي هذا السياق؛ ناشد وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، المجتمع الدولي بضرورة التحرك الفوري لوقف الحرب على قطاع غزة، محمّلًا الكيان الإسرائيلي مسؤولية تفاقم الأزمة الإنسانية ومنع دخول المساعدات إلى القطاع.

وقال ألباريس في مقابلة مع قناة الجزيرة الإخبارية، اليوم الثلاثاء: "أناشد الجميع لوضع حد لما يحدث في غزة. لا بد من وقف الحرب فورًا، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية"، مؤكدًا أن "إسرائيل هي من تحول دون دخول الإمدادات إلى غزة، وهذا أمر مخزٍ".

وأضاف: "إسرائيل هي المسؤولة عن الوضع بغزة وهدفها تهجير السكان".

فيما صعّد وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، اليوم الثلاثاء، من لهجة بلاده تجاه التصعيد العسكري الصهيوني في قطاع غزة، واصفًا الأوضاع الإنسانية في القطاع بأنها "غير مقبولة" و"فضيحة يجب أن تتوقف فورًا".

وقال بارو في تصريحات صحفية، إن الوضع الإنساني في غزة غير مقبول، وما يحدث هناك فضيحة إنسانية يجب أن تتوقف على الفور، مشددًا على ضرورة وقف العمليات العسكرية "الإسرائيلية" المستمرة منذ شهور

كذلك؛ قالت الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، اليوم الثلاثاء، إن على الجيش "الإسرائيلي" التوقف عن قتل المدنيين عند نقاط توزيع المساعدات، في قطاع غزة.

وأضافت كالاس، في تدوينة لها عبر منصة "إكس"، أن "قتل المدنيين الذين يطلبون المساعدات في غزة أمرٌ لا يمكن تبريره".


ماذا بعد؟


إزاء تلك المواقف، قال أمين عام حزب الله اللبناني، نعيم قاسم، الثلاثاء، ليس كافيًا أن ‏تدعو خمس وعشرون دولة إلى إيقاف ‏الحرب ضد غزة، فهذا الكلام لا يُعطي براءة من شهادتهم على ‏ما ‏يجري، ولا الدعم الذي أعطته بعض الدول الكبرى منذ بداية ‏العدوان.

وقال: إن المواقف والإدانات لا تُبرّئ ‏مُطلقيها، فالمطلوب أن تتحول المواقف إلى إجراءاتٌ فعلية توقف تلك المذابح والجرائم، عبر فرض ‏العقوبات على ‏الكيان الإسرائيلي، وعزله، ومحاكمته، وإيقاف كل أشكال التعامل معه.” ‎

وتابع في بيان: ”سيسجّل التاريخ هذا العار على قادة البشرية وأنظمتها في زمن ‏التجويع الحاقد وقتل المجوَّعين بالجملة، ‏وسيطال ظلم أميركا ‏وإسرائيل أولئك الساكتين عن نصرة المظلومين. واعلموا: “إنَّه ‏لا يُفلح ‏الظالمون”، وإن ما تبالغ به إسرائيل من توحش وغطرسة سيكون سبب سقوطها ‏المريع إن شاء الله ‏تعالى”.‏

وأكد أن المسؤولية الأكبر إزاء ما يعيشه قطاع غزة تقع على عاتق الدول العربية والإسلامية، حكّامًا ‏وشعوبًا. وخاطبهم قائلًا: فلتختاروا المواقف التي ‏تريدونها، بالسقف الذي ‏يناسبكم، ولكن لا تقفوا متفرجين.

وقال في بيان: أوقفوا التطبيع، أغلقوا ‏سفارات العدو، ‏امنعوا التبادل التجاري، اجتمعوا لدعم ‏فلسطين وغزة ولو بالحد الأدنى من الإمكانات الحياتية، فعندما ‏تراكُم أميركا يدًا واحدة وصوتًا واحدًا مع الشعب الفلسطيني سترضخ ‏وستتراجع.‎

وتتمة لذلك؛ وجهت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، الثلاثاء، نداءً إلى قادة وحكّام الأمة العربية والإسلامية، مؤكدة أن الشعب الفلسطيني يموت جوعًا، وآن أوان كسر القيود، وفتح المعابر، وإغاثة المجوّعين في قطاع غزّة.

وقالت “حماس”، في تصريح صحفي، إن النداء يأتي "مع دخول المجاعة في قطاع غزّة مراحل خطيرة وغير مسبوقة، بعد نحو خمسة أشهر من الإغلاق التام، وارتقاء قرابة المائة من المدنيين، منهم ثمانون طفلًا، جراء سياسة التجويع وسوء التغذية، إضافة إلى ألف شهيد من المجوّعين الذين قتلهم رصاص العدو الصهيوني على أبواب نقاط التحكّم بالمساعدات".

وأشارت إلى أن ذلك يأتي في وقتٍ يراقب فيه العالم هذه المأساة الإنسانية التي يديرها العدو في قطاع غزة دون أن يحرّك ساكنًا.

في السياق، قالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيزي، "لا توجد كلمات تصف ما يحدث في غزة فالمجاعة وصلت ذروتها"، محذرة من أن غزة "تعيش واقعا مأساويا وباتت مقبرة للأطفال بسبب تخاذل العالم"، مضيفة أن "الحصار والتضييق على إدخال المساعدات يسهم في زيادة الوفيات"، ودعت إلى "وقف الكارثة التي تحدث في قطاع غزة".

كما انتقدت ألبانيزي الولايات المتحدة و"إسرائيل" قائلة "تقومان بتوزيع الطعام بآلية تعتمد القتل، وبالتالي هو مشروع إجرامي، لا تواجهان أي معارضة".

مما سبق؛ يجب أن تتحول موجة الاستنكار الدولي إلى حركة فعلية تضع حدا لحرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة؛ ما لم فقد سقطت كل القيم التي تجلت عن الحضارة الإنسانية على مدى قرون وعصور أمام أنهار الدماء المراقة كل ساعة في قطاع غزة.

وبدعم أميركي وأوروبي، يواصل جيش العدو "الإسرائيلي" منذ السابع من أكتوبر 2023، ارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة أسفرت عن استشهاد 59,106 مدنيين فلسطينيين، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وإصابة 142,511 آخرين، حتى اليوم، في حصيلة غير نهائية، حيث لا يزال الآلاف من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات لا تستطيع طواقم الإسعاف والإنقاذ الوصول إليهم .

سبأ