السياسية - وكالات :


متشحاً افلاته من العقاب، ومتكئاً على دعم أمريكي أوروبي غير مشروط، وصمت وتواطؤ من الأنظمة العربية المطبعة.. يمارس العدو الاسرائيلي هوايته الإجرامية في خرق اتفاقات وقف إطلاق النار في كل من غزة ولبنان، كما يتوغل في سوريا بشكل شبه يومي.

اعتداءات صهيونية مكثفة على أكثر من جبهة، قصف على لبنان وغزة ، واعتداءات ومداهمات يومية، واعتقالات بالجملة، وهدم منازل في الضفة الغربية، وتحليق للطيران الحربي وتوغل في سوريا وإقامة حواجز واعتقال مدنيين؛ وقبل ذلك غارات عدوانية متكررة على اليمن.

يتحرك العدو الاسرائيلي بكل حرية، ويمارس إجرامه بحق الشعوب العربية والإسلامية في المناطق المحيطة بفلسطين المحتلة، بفضل الصمت والتواطؤ العربي الرسمي والدعم الأمريكي اللامحدود.

الدعم الأمريكي ليس خفيًا؛ إذ شهدت العلاقة بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني تحولًا محوريًا عزز من الشراكة الاستراتيجية القائمة (دعم سياسي وعسكري) من خلال التماهي الكامل، خاصة بعد تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة، وهو الذي يحرص باستمرار على إظهار دعمه الكامل لـ"إسرائيل" في كل مناسبة.

ومن مظاهر دعم ترامب ما كشفت عنه الرئاسة "الإسرائيلية" من تلقي رئيس العدو الصهيوني، إسحق هرتسوغ، رسالة من الرئيس الأمريكي يطلب فيها العفو عن رئيس وزراء الكيان المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بنيامين نتانياهو، الذي يحاكم في ثلاث قضايا فساد منفصلة.

وأشار ترامب إلى أنه يعتقد أن القضية ضد نتانياهو "سياسية ومحاكمة غير مبررة".

وأضاف في الرسالة: "أدعوكم بموجب ذلك إلى منح عفو كامل لبنيامين نتانياهو، الذي كان رئيس وزراء عظيم وحاسم في زمن الحرب"، على حد زعمه.

ويواصل الكيان الصهيوني الافلات من العقاب بفضل ذلك الدعم، وما يراه من ضوء أخضر يسهل له ارتكاب الجرائم.

فقد أكدّت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالتحقيق في ممارسات الكيان "الإسرائيلي" الأسبوع الماضي، أن "إسرائيل" تواصل الإفلات من العقاب، ومستمرة في توسيع وجودها في كلٍ من فلسطين وسوريا وجنوب لبنان.

ونقلت قناة الجزيرة عن اللجنة الأممية، أن "إسرائيل تواصل بدعم دولي العمل بإفلات كامل من العقاب"، مضيفةً أن "على الدول الأعضاء التعاون الكامل مع الجنائية الدولية".

وقالت اللجنة: "يجب حظر السلاح عن "إسرائيل" لدفعها لوقف هجماتها"، مشددة على ضرورة أن "يتحرك المجتمع الدولي لمحاسبتها على انتهاكاتها".

وأكدَّت أن العدو الإسرائيلي " منح المستوطنين تفويضا مطلقا لترهيب الفلسطينيين"، مشيرة إلى أنه "يعمل على مضاعفة عدد المستوطنين في الجولان المحتل".

الدعم الأوروبي

وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ الاتحاد الأوروبي "يواصل التنكّر لالتزاماته الدولية إزاء الجرائم الخطيرة التي يرتكبها العدو الإسرائيلي في قطاع غزة، مكتفيًا باقتراح إجراءات انتقائية ومجزّأة، ولا تُوظّف ما بحوزته من أدوات ضغط حقيقية على الكيان الإسرائيلي، ولا تُسهم بأي وجه في وقف الإبادة الجماعية المتواصلة منذ أكثر من ثلاثة وعشرين شهرًا".

ووصف المرصد، في بيان صحفي، الإجراءات التي اقترحت رئيسة المفوضية الأوروبية "أورسولا فون دير لاين" اتخاذها تجاه الكيان بأنّها "شكلية وهامشية، تفتقر إلى الجدية والصرامة، ولا تعبّر سوى عن التفاف على الالتزامات القانونية للاتحاد الأوروبي، الذي يبقى مسؤولًا أمام المنظومة الدولية عن كل أفعاله وإخفاقاته في مواجهة الإبادة الجماعية الجارية في قطاع غزة بموجب القانون الدولي".

وذكر أنّ "فون دير لاين" اقترحت خلال خطاب "حالة الاتحاد" أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، تعليقًا جزئيًا لفصل التجارة من اتفاقية الشراكة "الأوروبية–الإسرائيلية"، ووقف المدفوعات المالية المباشرة لحكومة العدو الإسرائيلي أو مؤسساتها الرسمية، وفرض عقوبات على وزراء ومستوطنين "إسرائيليين" متطرفين، إلى جانب إنشاء مجموعة مانحين لفلسطين تتضمن آلية خاصة لإعادة إعمار غزة.

وأكدَّ المرصد أنّ هذه المقترحات "لا تمثل سوى محاولة لإظهار تحرك سياسي صوري، في الوقت الذي يتجاهل فيه الاتحاد الأوروبي الإجراءات الجوهرية التي يفرضها عليه القانون الدولي، بما يشمل التعليق الكامل لاتفاقية الشراكة مع الكيان الإسرائيلي بجميع بنودها، ووقف أي تبادل أو تعامل عسكري معه، سواء توريد السلاح إليه أو استيراده منه، إضافة إلى عقوبات ملزمة تطال مؤسساته ومسؤوليه الضالعين في الجرائم غير المسبوقة المرتكبة في قطاع غزة".

وأكد أنّ المطلوب هو "خطوات عملية تفكك أدوات التمكين التي تسمح باستمرار الجريمة، بما يشمل فرض عقوبات فردية على المسؤولين "الإسرائيليين"، وعقوبات مؤسسية تطال الكيانات المتورطة، وتعليق اتفاقيات التعاون وفي مقدمتها اتفاقية الشراكة، وفرض حظر شامل على تصدير السلاح والمعدات ذات الاستخدام المزدوج، وحظر منتجات المستوطنات، وسحب امتيازات تأشيرة شنغن، وتجميد كل أشكال الدعم الفني أو اللوجستي الذي يسهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة في تسهيل الجرائم المرتكبة".



وقف إطلاق نار بالاسم فقط

وتعليقًا على خروقات العدو لاتفاق غزة، تقول الكاتبة سَنام وكيل، إن الغارات الجوية "الإسرائيلية" الأخيرة على غزة، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 300 شخص، تُظهر مدى هشاشة الترتيبات القائمة حالياً.

وتوضح وكيل في مقال بصحيفة الغارديان البريطانية، أن هذا ليس أول خرق منذ دخول اتفاق وقف النار حيز التنفيذ في 10 أكتوبر الماضي، "بل هو واحد من سلسلة انتهاكات متكررة أثبتت أنه من دون آليات إنفاذ قوية وتخطيط جاد، فإن هذا وقف إطلاق نار بالاسم فقط".

وتشير الكاتبة إلى أن الكيان الاسرائيلي يبرر تلك الانتهاكات بأنها تأتي ردّاً على "نيران أطلقتها حماس ضد قوات الجيش الإسرائيلي في رفح"، ما أدى إلى مقتل أحد جنود الاحتياط، لكن حماس نفت مسؤوليتها عن ذلك، لتردّ قوات العدو بشن ضربات إضافية على مدينة غزة وخان يونس.

المشكلة الأساسية، بحسب الكاتبة، تكمن في أن الخطة المبرمة برعاية أمريكية "لا تزال غير مكتملة؛ فهي لا تقدم جدولاً زمنياً واضحاً، ولا آلية للتحقق أو وسائل تنفيذ موثوقة".

كما تبيّن وكيل أن تفاصيل المرحلة الثانية من الخطة لا تزال غامضة ولم يتم التوافق عليها.

على الصعيد الإنساني، تشرح الكاتبة أن السكان الذين أنهكتهم سنتان من الحرب يواجهون نقصاً حاداً في الغذاء والمياه والدواء، بينما تخضع قوافل المساعدات لـ"مساومات سياسية وتعطيل متكرر" من جانب العدو الاسرائيلي.

ولا تقتصر حالة العنف، كما تقول وكيل، على غزة وحدها، بل تمتد إلى الضفة الغربية، وتوضح أن هذا "التصعيد الموازي، الذي يغذيه أو يتغاضى عنه اليمين الصهيوني الحاكم، يُبرز ضيق أفق وقف إطلاق النار الحالي، ويكشف مدى سهولة عودة الصراع للاتساع".

وتخلص الكاتبة إلى أن ما يجري اليوم "ليس خطة سلام حقيقية، بل نمط مؤقت من الانتظار"، وتؤكد أن العيوب الجوهرية في خطة ترامب واضحة، فهي "تعالج الأعراض دون معالجة الجذور".

أما الكيان الإسرائيلي، فيرى في الهدنة "توقفاً تكتيكياً لا أكثر، لا يمثل أي تغيير استراتيجي في سياسته العسكرية".

في موازاة ذلك، هدّد رئيس وزراء العدو الإسرائيلي مجرم الحرب بنيامين نتنياهو، بـ"استكمال الحرب في كل الجبهات".

وقال خلال فعالية في القدس المحتلة: "نحن عازمون على استكمال الحرب في كل الجبهات، بما في ذلك نزع سلاح حركة حماس وتجريد قطاع غزة من السلاح، لضمان ألّا تمثل خطراً مجدداً".

وفي هذا السياق، يرى موقع "ناشونال إنترست" الأميركي، أن ما يجري في غزة لا علاقة له بوقف إطلاق النار، داعيًا إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى ممارسة ضغط فعلي على الكيان الاسرائيلي لإنقاذ خطة السلام.

وأضاف أن "اختلال ميزان القوة والدعم الأميركي غير المشروط لـ"إسرائيل" جعل خطة ترامب ذات الـ 20 نقطة مجرد حبر على ورق".

ومن جهتها، ذكرت صحيفة (لوموند) الفرنسية، أن "اتفاقي وقف إطلاق النار في كل من غزة ولبنان يصبان في مصلحة الكيان الإسرائيلي"، وترى الصحيفة، أن العدو الإسرائيلي في الحالتين "فرض وضعا أشبه بتهدئة أو حرب منخفضة الشدة، لكن انتهاكاته المتواصلة للهدنة في غزة تسفر عن سقوط ضحايا أكثر بكثير مقارنة بلبنان".

وأشارت "لوموند" إلى "بروز عبارة النموذج اللبناني في غزة الذي يحيل إلى خطر التحول إلى حرب محدودة الوتيرة تتصاعد بين الحين والآخر، لكن يخوضها طرف واحد هو الكيان الاسرائيلي لمنع عودة الاستقرار"، وتابعت إن "هذا الوضع لم يكن ممكنا من دون ضوء أخضر أميركي".

الكاتب التونسي لطفي العبيدي، رأى في مقال بصحيفة (القدس العربي) أنه " لا يمكن لأحد أن يدّعي أنّه لم يكن يعلم بنية العدو الإسرائيلي في الإبادة الجماعية وإصراره على قتل الآلاف بطريقة قائمة على التشفي والتصفية المقصودة".



هشاشة القانون الدولي

واعتبر أن "كل ما حدث يظهر مدى هشاشة سيادة القانون الدولي وتهافت مؤسسات العدالة الدولية، حيث لم تمنع مذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية حدوث الإبادة الجماعية والمضي فيها إلى حد أقصى".

ويضيف العبيدي "بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يقول ناشطو المستوطنين إنهم لا يرون سوى القليل من العقبات أمام خططهم لحكم الضفة الغربية المحتلة، وربما إعادة توطين غزة وإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، ويقولون، إن ترامب كان رئيسا مؤيدا لإسرائيل في فترة ولايته الأولى".

ويقول إن "العدو الإسرائيلي ينفذ سياسة تطهير عرقي، ليس فقط ضد من يحملون السلاح، بل كسياسة جماعية، من البداية، نية ارتكاب الإبادة الجماعية كانت موجودة بالفعل، ويكفي النظر إلى كلمات قادة العدو مثل مجرمَي الحرب بتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير، الذين يؤمنون بإمكانية إلغاء الوجود الوطني الفلسطيني، وكل ذلك باسم الأمن".

فقد وعد وزراء وساسة العدو بتسوية غزة بالأرض، ووضعها تحت حصار وتجويع، لقد كان القصف بلا رحمة وواسع النطاق، استهدف المدارس والمنازل والمستشفيات، وأصبحت التشوهات الجسدية، والجوع، ونقص الرعاية الطبية، والموت جزءا من الحياة اليومية لسكان غزة.

واستطرد الكاتب أن "أحدا لم يتخذ أي إجراء لوقف ذلك، وظل العالم يتفرج عامين كاملين دون حراك"، داعيا العالم إلى "مراجعة قوانينه العرجاء ومؤسساته البالية".

وخلص إلى أن "غزة اختبرت كل قواعد النظام الدولي التي وُضِعت بعد الحرب العالمية الثانية، ويمكننا أن نقول إنّ السماح بإفلات الكيان الإسرائيلي من العقاب بعد كل ما ارتكبه من جرائم في غزة، يعني موت القانون الدولي".