عام على سقوط الدولة السورية
محمد محسن الجوهري*
في نوفمبر من العام الماضي، شهدت سوريا انقلابًا استراتيجياً في خريطة تحالفاتها الإقليمية، حين انقلبت تركيا وقطر على تفاهمات "سوتشي" السابقة، وأقدمتا على تصعيد الوضع على الأرض لخدمة أهداف صهيونية بحتة. لقد تجلى ذلك في دعم الجماعات المسلحة، وزيادة التدخلات العسكرية والاستخباراتية في مناطق مختلفة، بما يعمّق الفوضى ويعطل أي مسار سياسي لحل الأزمة.
ولم يكن مفاجئًا أن يكون المستفيد الأكبر من هذا الانقلاب هو العدو الصهيوني، الذي وسّع تدريجيًا نطاق قواته في جنوب سورية، مستغلاً الفوضى والانقسامات لإحكام السيطرة على مناطق استراتيجية، سواء من حيث الأمن أو الموارد. أما الرعاة الظاهرون، ممثلون في أنقرة والدوحة، فقد كشف تصعيدهم الأخير حقيقتهم كأدوات لتفتيت الدولة السورية، لا أكثر، حيث تنحصر مصالحهم في الإبقاء على ضعف الدولة واستمرار التوتر، دون أي رؤية لإعادة وحدة البلاد أو استقرارها.
وخلال السنة الأولى بعد سقوط دمشق، كان المتضرر الأكبر هو الشعب السوري، الذي وجد نفسه رهينة الفوضى والانتهاكات اليومية. الجماعات التكفيرية، التي أخلت جنوب البلاد لصالح الاحتلال الصهيوني، مارست الإجرام بشكل منهجي ومستمر ضد المدنيين، فيما يشكل ما جرى في الساحل والسويداء شاهدًا صارخًا على قبح هذه الجرائم، إذ أُبيدت أسر ومجتمعات كاملة بدوافع طائفية بحتة. كما لا يزال الآلاف من المواطنين رهن الإخفاء القسري، الذي أصبح للأسف سمة بارزة تميز الحكم الجديد، ويُضاف إلى قائمة الانتهاكات التي تثقل حياة السوريين وتزيد من معاناتهم اليومية.
أما مطامع السوريين عن الحرية في الزمن الأول غدا اليوم حلمهم الأخير، فحتى الحديث عن تدهور الأوضاع المعيشية عقوبته الموت أو التغييب، فيما تحول العدو الإسرائيلي في الإعلام إلى حليف مقدس لا يجوز الحديث عن انتهاكاته المتكررة بحق الشعب والسيادة، فالعدو في نظر الجولاني هو الشعب المحاصر بكل أشكال القتل والقمع وليس في العدو التاريخي لسورية وللأمة الإسلامية.
حتى الوضع الاقتصادي المتدهور منذ مارس 2011 تحوّل لدى الإعلام القطري، وعلى رأسه قناة الجزيرة، إلى ما يشبه حالة من الرفاهية المطلقة على شاشاتها. فقد صُوّر استيراد الموز، على سبيل المثال، وكأنه حدث فارق في تاريخ الشعب السوري، بينما كانت الحكومة السورية تمنع الاستيراد سابقًا لأسباب اقتصادية وأمنية واضحة. وقد بالغت القناة في تصوير ذلك المنع كـ"جريمة كبرى لا تغتفر"، في مثال صارخ على التضخيم الإعلامي ومحاولة تشويه الواقع لصالح أجندات خارجية.
وقد ساهمت هذه التغطية في خلق صورة زائفة للواقع، حيث بدا وكأن الشعب السوري يعيش في رفاهية مدنية لا يتصورها أحد، بينما الحقيقة على الأرض مأساوية: انهيار الأسواق، ارتفاع معدلات الفقر، وتزايد المعاناة اليومية للمدنيين.
والأسوأ من ذلك كله، أن سورية اليوم أصبحت في صف العدو الصهيوني، وانتقلت من محور الجهاد والمقاومة إلى محور التطبيع والخيانة، وبات الإعلام الإسرائيلي يتجول في شوارع دمشق كما تتجول قواته في ريفها، فيما الحكام الجدد يحظون بحياة الرفاهية الفعلية على أمن الشعب وثوابت الأمة، وكل هذا نتاج الاستثمار الغربي في تزييف الوعي والإرادة للشعوب، وبعد أن أصبح المال الخليجي وسيلة مزعومة لتحقيق الحرية والاستقلال، ومثل هذا المشروع سيرتد يوماً حتى على رعاته الخليجيين فهم أحوج الشعوب إلى الحرية والاستقلال.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب

