بن سلمان والسقوط المحتمل لآل سعود
محمد محسن الجوهري*
في عام 2017، كشفت صحيفة “جورنال ديمانش” الفرنسية أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مختل عقلياً، وأنه يعاني منذ طفولته من أزمات نفسية كان لها أثر كبير في تشكيل شخصيته العدائية تجاه الآخرين، خاصة من أفراد الأسرة السعودية الحاكمة، وأن هذه الحالة كانت السبب وراء حملات الإقصاء والاعتقال والمطاردة للكثير من نظرائه الأمراء.
وفي أبريل 2021، أجرى بن سلمان مقابلته الشهيرة مع الإعلامي عبدالله المديفر، وخلالها ظهرت على وجهه أعراض غريبة وحالة من الحركات اللاإرادية التي أثارت موجة من التحليلات والتكهنات عن صحته النفسية والجسدية، وكان التفسير الأقرب أنه يعاني من متلازمة "توريت"، وهي حالة وراثية تتسبب في ظهور بعض الحركات اللاإرادية في الوجه مثل الغمز، أو طرف العين، أو فتح الفم وإغلاقه بطريقة غير طبيعية وغيرها من الحركات.
وقد فسرت هذه الحالة سبب الاضطراب النفسي الذي كان سبباً في عزلة بن سلمان النفسية وعدائيته تجاه أبناء العمومة، فمثل هذه الأمراض عادة ما تثير سخرية الآخرين ومثل هذه الأمر من التنمر شائع جداً في أوساط العائلة السعودية المالكة المعروفة بالابتذال والتعالي على غيرها من الناس وحتى على بعضها البعض.
ومهما تعددت التفسيرات الطبية، فإن السلوك السياسي لمحمد بن سلمان يقدم الأدلة الأكثر وضوحاً على شخصية عدائية لا تتقبل النقد ولا المعارضة. فمنذ بروز نجمه في العام 2015، ظهرت قراراته الداخلية والخارجية كترجمة مباشرة لذهنية تعتمد على القوة المفرطة، والإقصاء، وتنفيذ التحولات عبر الصدمة لا عبر المؤسسات. فالحرب التي شنها على اليمن تحولت إلى مستنقع استنزف السعودية اقتصادياً وأخلاقياً وسياسياً دون تحقيق أهدافه، وكشف عن افتقاره للرؤية الاستراتيجية والقدرة على تقدير المآلات.
ثم جاءت حملة الاعتقالات في “الريتز كارلتون” لتؤكد نمط حكم لا يعتمد على القانون، بل على إخضاع الخصوم، وتجريدهم من النفوذ عبر أساليب أقرب للابتزاز السياسي منها إلى إدارة الدولة. كما أن الدخول في أزمات خارجية متتالية – حصار قطر، احتجاز رئيس وزراء لبنان، التصعيد مع تركيا، التوتر مع كندا – كشف عن حاكم متهور يدير الدولة بعقلية الصدام والتكسر، لا بعقلية التوازن وبناء النفوذ.
كل هذه السلوكيات لا تحتاج تقريراً طبياً لإثبات أن محمد بن سلمان شخص عدائي وغير مؤهل للحكم؛ فالحاكم الذي يقود بلاده من أزمة إلى أخرى، ويفتح جبهات الصراع دون حساب، ويستنزف موارد المملكة في مغامرات غير محسوبة، هو في جوهره شخص غير مستقر سياسياً، وغير قادر على قيادة دولة بحجم السعودية. فالحكم ليس استعراض قوة ولا مشروع تصفية داخلية، بل مسؤولية تحتاج حكمة واتزاناً وقدرة على احتواء الخلافات لا تفجيرها.
ومع استمرار السياسات العدوانية لبن سلمان، يزداد الحديث في الأوساط السياسية عن أن بقاء الحكم السعودي بصيغته الحالية لم يعد مضموناً كما كان في السابق. فالدولة التي كانت تقوم على التوافق داخل الأسرة الحاكمة، وعلى شبكات واسعة من الترضيات الداخلية والولاءات التقليدية، بدأت تفقد توازنها نتيجة تركيز السلطة غير المسبوق بيد شخصية متهورة، وتهميش مؤسسات القرار التقليدية المتمثلة في هئة البيعة، وتفاقم الصراعات المكتومة داخل العائلة. ومع تصاعد الاحتقان الشعبي بسبب الضرائب وغلاء المعيشة، وتآكل الشرعية التقليدية، وتهور السياسة الخارجية، تبدو المملكة وكأنها تتجه نحو نقطة حرجة قد تجعل مستقبل آل سعود على المحك.
وبحسب هذه المؤشرات فإن السعودية تتجه إلى نقطة الا عودة، فالسياسات الراهنة — الاعتماد الكامل على الخارج، القمع الداخلي، والإنفاق المفرط — تضع النظام في مواجهة مباشرة مع عوامل الانهيار التي حذر منها المفكرون والباحثون السياسيون. إذا استمر هذا المسار، فإن هشاشة الدولة الملكية ستتجلى عند أول صدمة اقتصادية أو أمنية كبيرة، وقد يؤدي ذلك إلى زوال حكم آل سعود كما حدث تاريخيًا مع أنظمة مشابهة.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب

