طوفانُ الجنيد*

في خطوةٍ تصعيديّة، وضمنَ سياسةِ الكيلِ بمكيالين، صوّتَ مجلسُ الأمن على قرارِ تمديدِ العقوباتِ الاقتصادية على اليمن، تلبيةً لرغبةِ المملكةِ المتحدة البريطانية والولاياتِ المتحدةِ الأمريكية وباقي الدول الأعضاء، وتماشيًا مع الرغباتِ الأمريكية ـ البريطانية بالهيمنة والتحكّم على الممرّاتِ الدولية والمنافذِ البحرية في المنطقة. خطوةٌ خطيرة تُشرعن استمرارَ الاعتداء على اليمن، ونشرَ الفوضى الإمبريالية الاستكبارية في المنطقة العربية، وتهديدَ الملاحةِ الدولية، وانتقامًا من الموقف اليمني المساند لغزّة خلال معركةِ الطوفان.

كيف يؤدّي تمديدُ العقوباتِ إلى شرعنةِ العسكرة؟
1-معالجةُ العَرَض لا الجذور:
عقوباتُ مجلس الأمن ـ الموجّهة أصلًا ضد أحرارِ اليمن، والتي تُضيف مزيدًا من الضغوط الاقتصادية على الشعب اليمني ـ تحرم اليمن من الاستفادة من ممرّاته البحرية وتخنقه اقتصاديًا. فهي لا تُعالج الدوافع السياسية والعسكرية للمشكلة، ولا تكون منصفةً أو محايدة، ولا تقوم بالمسؤولية المناطة بمجلس الأمن في رفع الحصار وتخفيف المعاناة ودعم الحوارات والمبادرات التفاوضية وإحلال السلام.
العقوباتُ دون حلّ سياسي تخلق حالةً من الجمود واليأس، ما يدفع اليمنيين إلى استخدام الورقة الوحيدة المشروعة التي يملكونها: الدفاع عن النفس وحماية السيادة البحرية اليمنية.
2- التصعيد المستمرّ من تحالف الشرّ والإجرام:
التصعيد بقيادة أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني وأدواتهم من الأنظمة العربية يمنح القوات المسلّحة اليمنية كاملَ الشرعية للتصدّي، تطبيقًا لقوله تعالى: ﴿فَمَنِ اعتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثلِ مَا اعتَدَىٰ عَلَيْكُمْ﴾.
3- خلقُ فراغٍ أمني:
عندما تُركّز العقوبات على منع أنصار الله من استيراد السلاح أو المواد المزدوجة الاستخدام ـ كما يزعمون ـ دون تقديم حلّ سياسي أو تأمين البيئة البحرية، يتكوّن فراغٌ أمني.
هذا الفراغ هو ما دفع الولايات المتحدة وحلفاءها لتشكيل "تحالف حارس الازدهار" بذريعة حماية الملاحة، بينما الهدف الحقيقي حماية "إسرائيل" وفكّ الحصار البحري عنها.
استمرارُ العقوبات إذن يخلق المبررات لإشعال الحروب ومهاجمة السفن وتعزيز الوجود العسكري للغرب.
لماذا يُشكّل هذا خطرًا حقيقيًّا على الملاحةِ الدولية؟
الخطرُ لا يأتي فقط من الهجمات العسكرية أو استهداف السفن، بل من الديناميكية الجديدة التي تفرضها العسكرة:
تحويلُ البحر الأحمر من ممرٍّ تجاريٍّ إلى ساحةِ مواجهةٍ دائمة.
وجودُ السفن الحربية قرب السفن التجارية يزيد احتماليةَ الخطأ العسكري أو التصعيد غير المقصود؛ اشتباك غير محسوب أو إسقاط طائرة مسيّرة قرب سفينة مدنية قد يفتح حربًا إقليمية شاملة.
وهذا يسبّب:
خسائرَ اقتصادية فادحة، ارتفاع تكاليف التأمين، تأخّر الشحن وتحويل مساره حول رأس الرجاء الصالح، وتقويض شرعية مجلس الأمن، وفقدان مصداقيته بإصدار قرارات منحازة وغير عادلة تزيد الأزمات السياسية اشتعالًا.
الخلاصة:
قرارُ مجلس الأمن بتمديد العقوبات ـ الذي يُفترض أن يكون أداةً لفرض السلام والامتثال للقانون الدولي ـ يتحول، في ظلّ غياب العدالة الدولية والحلّ السياسي المنصف، إلى عاملٍ مُشرعِنٍ للعسكرة ومُسبّبٍ لخطرٍ داهم على الملاحة الدولية.
هذا لا يعني أنّ العقوبات مبرّرة من منظورٍ دولي، بل إنّ استخدامها كأداةٍ منفردة دون ضغطٍ دبلوماسي جاد لإيجاد حلّ سياسي يجعلها جزءًا من المشكلة لا من الحل.
النتيجة حلقةٌ مفرغة: عقوبات ⇢ تصعيد عسكري ⇢ تهديد للملاحة ⇢ مزيد من الوجود الأجنبي ⇢ مزيد من التصعيد.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب