القانون الدولي وسيلة للوصاية الأميركية
محمد محسن الجوهري*
لا نسمع عن القانون الدولي وإجراءاته العقابية إلا عندما يكون المعاقب خصماً لدوداً للأنظمة الغربية، أما إذا كان حليفاً لهم، فإن الحديث عنه يتبخر كلياً حتى لا يكون عقبة أمام المجرم وهو يمارس إجرامه، كما هو الحال في غزة حيث غابت كل القوانين والجهات المنادية بحقوق الإنسان أمام صلف العدو الصهيوني ومذابحه اليومية بحق النساء والأطفال.
وهذه الازدواجية ليست جديدة، فالقانون الدولي يُفعَّل فقط عندما يتعلّق الأمر بأطراف لا تنسجم مع المشروع الأميركي. فقد شهد العالم كيف جرى استخدام المؤسسات الأممية والمحاكم الدولية كأدوات ضغط ضد دول وقوى اصطدمت بالمصالح الأميركية، بينما تُمنح الدول الحليفة حصانة شبه مطلقة.
فإيران مثلًا، رغم التزامها المتكرر بشروط الاتفاقيات الدولية، كانت دومًا هدفًا للعقوبات تحت عناوين سياسية أكثر منها قانونية، في حين تمر ممارسات خصومها الإقليميين بلا محاسبة. وكذلك الحال بالنسبة لروسيا، حيث تحرك الغرب سريعًا لتفعيل العقوبات وتجييش الخطاب القانوني، بينما تُرتكب انتهاكات واضحة من دول أخرى دون أن يقترب منها أحد.
حتى بعض فصائل المقاومة في المنطقة، والتي استندت في مواقفها إلى حق الشعوب في الدفاع عن نفسها وفق مبادئ القانون الدولي نفسه، وُضعت على قوائم العقوبات بمجرد أن اصطدمت بواشنطن أو عارضت سياساتها، رغم أن القانون الدولي يمنح الشعوب حق مقاومة الاحتلال ورفض الهيمنة الخارجية.
بل وحتى على المستوى الإنساني، لا يتحرك الغرب إلا عندما يخصّ الأمر دولة أو طرفًا خارج مظلته، أما حين يتعلق الأمر بانتهاكات حلفائه، فإن كل المنظمات الحقوقية التي كانت تصرخ ليل نهار تتلاشى فجأة، ويصبح "القانون الدولي" مجرد شعار للاستهلاك الإعلامي.
وفي فنزويلا، رغم أنّ الخلاف السياسي فيها داخلي الطابع، إلا أنه تحوّل إلى ملف دولي بمجرد أن عارضت حكومتها سياسات واشنطن، فانعقدت جلسات لمجلس الأمن، وصدرت عقوبات تحت عنوان "الديمقراطية"، بينما لم تُتخذ إجراءات مماثلة بحق دول أخرى حليفة للغرب تمارس سياسات قمعية بحق شعوبها كدول الخليج لا تتعامل مع مواطنيها حتى كبشر لهم الحق في التعبير.
وفي كوبا، قلب المقاومة النابض في وجه المشروع الأميركي، تخنق واشنطن البلاد بحصار اقتصادي وحشي امتد لأكثر من ستة عقود، ورغم الإدانة السنوية شبه الإجماعية في الجمعية العامة، لم يتحرك القانون الدولي خطوة واحدة لفرض رفع هذا الحصار، لأن واشنطن ببساطة تقف فوقه لا تحته. وهو المشهد ذاته في كوريا الشمالية، وفي العراق خلال حكم البعث، حين غضّت الولايات المتحدة الطرف عن ممارسات صدام حسين في الثمانينيات ما دام يؤدي دوره كحليف لها، لكنها ما لبثت أن ارتدت عباءة "المدافع عن القانون الدولي" بعد أن اختلف معها مطلع التسعينيات، ليظهر بوضوح أن هذا القانون لا يتحرك إلا عندما يريد الغرب معاقبة من يخرج عن طاعته.
وفي النهاية، تبقى فلسطين الشاهد الأوضح على سقوط القانون الدولي أمام ميزان المصالح الغربية؛ فبرغم كونها من أكثر قضايا العالم وضوحًا من حيث الانتهاكات الصهيونية، تُجهَض كل محاولة لتمرير أي إجراء ملزم بمجرد أن ترفعه واشنطن بفيتو واحد، وهكذا يتحول القانون الدولي، إلى مجرد ورقة تُفعَّل فقط حين تتماشى مع مصالح الغرب، وتُمزَّق فورًا عندما تمس الاحتلال أو حلفاءه، لتثبت القضية الفلسطينية أن الشرعية الدولية لم تعد مرجعًا يُحتكم إليه بقدر ما أصبحت أداة انتقائية تُستخدم حينًا وتُعطَّل حينًا آخر، وفقًا لمشيئة من يملك النفوذ لا من يملك الحق.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب

