محمد محسن الجوهري*

مؤخرًا، افتتحت مصرُ متحفها القوميَّ الذي كُلِّفَ إنشاؤه عشراتُ المليارات، وبعد أيامٍ قليلةٍ من افتتاحه، اعتُقِلَ شابٌّ بسبب قراءته آياتٍ عن فرعون أمام جمعٍ من الزوّار في صباح المتحف، وكانت المبرّرات الإعلامية هزيلةً ومتناقِضة، وكلّها تجمع على أنَّ تقديسَ كتابِ الله ينقض كلَّ ما بُنيت عليه الثقافةُ الفرعونية.

وبالفعل، فإنّ مصرَ، ومنذ زمن الاحتلال الإنجليزي وبتوجيهاتٍ مباشرةٍ منهم، بدأت بالنأي عن محيطها الإسلامي، وسعت إلى إنشاء ثقافةٍ خاصّةٍ بها، بعيدةٍ عن السلام، وتؤمن بتقديم الفراعنة، وجعلت ذلك دينًا قوميًّا ألزمت به الشعبَ المصريَّ المسلم.

وعندما يتصدّى المصريّون لهذه الثقافة فإنَّ مصيرَهم الإقصاءُ أو التهميش، كما رأينا مع الدكتور الراحل مصطفى محمود الذي ناهَض فكرةَ مصرَ الوثنيةَ وأكَّد أنَّ الإسلامَ هو دينُ الفطرةِ لدى البشريةِ جمعاء.

وفي القرآن الكريم ما يؤكّد مصداقَيةَ مصطفى محمود، فقد خاطب سيدنا موسى الطاغيَةَ فرعونَ باسمه دون إضافة "يا أيّها" التي تُضاف أمام الألقاب في العربية، وهذا يثبت أنَّ فرعونَ اسمُ علمٍ وليس لقبًا لملوك مصر القدماء، كما أنَّ فرعونَ نفسه كان متحفِّرًا من حال الثقافةِ الأولى التي سبقت عصرَه لأجيالٍ، عندما سأل سيدنا موسى: «فما بالُ القرونِ الأولى؟»

إن هذا الأمر ليس محض نظريات مؤامرة، بل إن له جذوراً في أنماط «فرق تسدّ» التي اتبعتها القوى الاستعمارية: إذ إن إفراد جزء من الأُمّة والقول بهويّة مستقلة يُضعف جسماً أكبر، ويُسهّل في آن واحد إثارة تغيّرات داخلية وخارجية. لذا، حين نرى في وطننا العربي تسليط الضوء – بشدّة – على تراث محليّ، أو انشغال بهوية محلية «عريقة» مفصولة، فإن من الضروري أن نتساءل: هل هذا التعبير عن أرادته الوطنية الحقيقية، أم هو إعادة تركيب لهوية جزئية تخدم أجندة خارجية أو محلية تفصلنا عن مجملنا؟

وهذا الأمر يتكرر في كل البلاد العربية والاسلامية، ففي اليمن لدينا دعاة الحميرة، وهي ثقافة دخيلة تمولها جهات خارجية وتزعم أن السلام دخيل على الشعب اليمن وان الوثنية والإله الزعل هو اصل الحضارة وينبغي العودة اليها، وقد أنتجت دول العدوان مسلسلات وعمال فنية مختلفة للترويج لهذه المهزلة.

وفي العراق كما في سورية، فإن الثقافتين السورية والسومرية هي البديلة عن الإسلام والعروبة، وبات الإعلام والفكر والأدب يتغنى بها ويتجاهل القيم الإسلامية ويرى بأنها رموز للجهل والتخلف.

وعلى ذلك فقس، فدول المغرب العربي أصبحت أمازيغية وحتى دول الخليج التي لا تاريخ لها والإمارات مثلا أصبح لها تاريخ وثني تخيلي يمتد لآلاف السنين، فيما عاد الإسلام غريباً كما كان في زمنه الأول، تماماً كما أنبأنا سيد الخلق والمرسلين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا دليل آخر على عظمة دينه ونبوته.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب