محمد محسن الجوهري*

البيئة اليمنية مشجعة على الخيانة، والسبب لا يكمن في عداوتنا لأرباب الضلال وأئمة الشر من أهل الكتاب وحسب، بل لأننا نقيم جوار أهل السوء من الأعراب الأشد كفراً ونفاقاً، فهم أحرص على خدمة العدو أكثر من العدو نفسه، وإذا كان النظام السعودي يدفع ملايين الدولارات للساسة مقابل مواقفهم فلن يتردد عن دفع الالاف منها مقابل التجسس وجمع المعلومات، وعلاج ذلك كله الموت حتى يكون العميل عبرة لغيره من الخونة.

وكما تكفل الله بكشف كل مستور للمجرمين بقوله "والله مخرجٌ ما كنتم تكتمون" فإن الموت هو حكم الله في الخونة بما كسبت أيديهم فحكمهم حكم الردة والحرابة والقتل في آنٍ معاً، والتراخي عن تنفيذ حكم الله يشجع المزيد من هؤلاء على الانخراط في العمالة فيما الالتزام بالتوجيهات الإلهية يردع البقية منهم وصدق الله سبحانه وتعالى حين قال: "ولكم في القصاص حياة يا أولي اللألباب".

ولنا في الإخوة المجاهدين في قطاع غزة القدوة الحسنة في هذا الأمر، فهم خير من يقمع الجواسيس وينكل بهم، ولذلك فإن معدلات الخيانة في غزة قليلة جداً بالمقارنة مع ما يحدث للإخوة المجاهدين في لبنان، فحزب الله هناك مكون واحد ضمن حكومة أغلب أعضاؤها عملاء وخونة، وتقابل أي تحرك أمني لحزب الله بأنه تحرك طائفي ما جعل البلاد سوقاً مفتوحة للعمالة، خاصة عندما يتعلق الأمر بأطراف تنتمي إلى طوائف مختلفة أو تحظى بحواضن سياسية متباينة.

وما بين النموذجين فإننا في اليمن مطالبون باتباع النموذج الحماسي فهو الأصوب شرعاً وسياسةً، فالمرحلة لا تحتمل التعاطف مع الجناة، ومن يفعل ذلك من الساسة أو المواطنين فهو منهم وشريك في كل أعمالهم، ومسؤول عن كل قطرة دم كانوا السبب في إراقتها.

إضافةً إلى ذلك، لا ينبغي الخلط بين ملف العملاء وملف أسرى الحرب، فالأخير يختص بأولئك الذين تسلموا في المعركة، كما رأينا في الساحل وعملية نصر من الله والبنيان المرصوص حيث تخلى الآلاف عن أسلحتهم وسلموا أنفسهم للجيش واللجان الشعبية، وللأسف فإن العدو لا يكترث لمصير هؤلاء ويعمل على تصفيتهم بمختلف الطرق بما فيها القصف المباشر لأماكن تواجدهم.

أما الخونة والجواسيس، فإن الطرف المعادي كثيرًا ما يعاملهم كأسرى حرب ويطالب بالإفراج عنهم ضمن صفقات تبادل؛ وقد شهدنا ذلك في عدد من الصفقات السابقة التي استُخدمت فيها حالة هؤلاء كأداة ضغط ودعاية. وفي كثير من الأحيان يروّج العدو ومرتزقته بأنهم «ينقذون مدنيين من الموت» بينما يُصوّرون خصومهم من الأسرى على أنهم عناصر عسكرية؛ وهذه مغالطة سياسية وإعلامية تبرز ازدواجية المعايير في إدارة ملف الأسرى، فالعدو يحترم الخونة أكثر من أولئك الذين باعوا أنفسهم له، بينما حكم الله فيهم غير حكمه في الأسرى.


وبالنسبة للنظام السعودي، فسياسة المعاملة تعدّ من الأدوات الفعّالة لردعه ووقف التدخلات السافرة في الشأن اليمني. ولدى آل سعود مصالح اقتصادية واجتماعية وسياسية كبيرة يحرصون على استقرارها واستمرارها، ولذلك فإن استهداف هذه المصالح تشكّل بدائل استراتيجية عادلة وفعّالة لردع التدخل. ومن شأن نهج متوازن يجمع بين القوة والإجراءات العقابية، والحشد الإعلامي والقانوني أن يقلّل من مساحة المناورة لدى من يتدخلون في شؤون اليمن، ويجعل تكلفة التدخل أعلى بكثير مما تريده الأطراف الخارجية.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب