ثقافة الوعي والبصيرة هي الحساب الرئيسي الذي لا يمكن للعدو حذفه أو إلغاؤه
طوفان الجُند*
الحمد لله القائل: {الرَّحْمَٰنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن: 1-4]. والصلاة والسلام على النور المبين والصراط المستقيم، سيدنا محمد، وعلى آله الطاهرين.
في ظل الطفرة العلمية الهائلة، والتقدم المعرفي العظيم، الذي جعل من العالم الكوني كقرية صغيرة، وسهّل الاتصال والتواصل بين البشر عن طريق الحسابات الرقمية والمنصات الإلكترونية – والتي أصبحنا نملك فيها العشرات من الحسابات – وفي خضم الصراع بين الحق والباطل، استخدم الأحرار هذه الحسابات سلاحاً لمقاومة الباطل والتصدي له، جهاداً في سبيل الله بالكلمة الحقّة، ونشر الثقافة القرآنية الصحيحة.
ومن ضمن الأساليب الخبيثة التي يقوم بها أعداء الله والإنسانية، قيامهم باختراق الحسابات وحذفها وإيقافها، في محاولة بائسة منهم لإسكات صوت الحق وإخماده، ليتسنّى لهم نشر أفكارهم المغلوطة، خدمةً لمشاريعهم الإجرامية في "الحرب الناعمة" التي يستخدمونها لإفساد المجتمع وطمس هويته. وهيهات لهم ذلك!
ما هي ثقافة الوعي والبصيرة؟
إنها ثقافة القرآن الكريم، الكتاب المنير الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42]، الذي أخرجنا الله به من الظلمات إلى النور، وجعله منهج حياة كريمة، ومعرفة لكل أحداث الكون وخالقه. منه نستمد الوعي الكامل والبصيرة الثاقبة.
· الوعي: هو ذلك النور الداخلي الذي يضيء لنا عالمنا. هو قدرتنا على ملاحظة أفكارنا، ومشاعرنا، وسلوكياتنا، والبيئة من حولنا. الوعي هو أن نعرف من هو العدو الأول للأمة وللإسلام والإنسانية، وكيفية التعامل معه والتصدي له.
· البصيرة: فهي ثمرة الوعي، والقدرة على رؤية الأشياء على حقيقتها، ورؤية الأحداث ونتائجها، وربط الأسباب بالنتائج، واستشراف العواقب. وهي الرابط المشترك بين القلب والعقل معاً، التي تمنحنا القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة في اللحظات المصيرية.
لماذا لا يمكن "حذف" هذا الحساب؟
بإمكان العدو حذف جميع الحسابات على الشبكة العنكبوتية، إلا هذا الحساب الداخلي الإيماني: حساب الضمائر الحية، والقيم الإنسانية، والمبادئ الإيمانية. مهما حاولوا وحاولوا.
كيف نحمي "هذا الحساب"؟
بما أن هذا الحساب دائم ولا يمكن التخلي عنه، فإن مسؤوليتنا الكبرى هي صيانته وتطويره. وذلك بالرجوع إلى القرآن والتدبر في آياته، وتطبيق كل ما جاء به على أنفسنا وواقعنا، والاسترشاد به وتحكيمه والاعتصام به والتمسك بحبله، وفق منهجية "عين على القرآن وعين على الأحداث". وتعلّم المعارف الأخرى التي تغذي العقل وتوسع مداركه.
وصحبة أهل العلم، أعلام الهدى، وكما يقال "الصاحب ساحب". فمصاحبة أولي الأفكار الراقية والعقول المستنيرة من آل بيت المصطفى صلوات الله عليه وآله، ترفع من مستوى حسابك، وتحميك من الاختراقات والتفكير السلبي.
الخاتمة:
الثقافة الإيمانية هي الثروة التي لا تفنى، والسبيل الوحيد الذي لا عِوَجَ فيه ولا ظلال، الموصل إلى الحق، لتعيش في هذه الدنيا سليماً معافى من كل الآفات وجميع الفيروسات الفكرية.
لذا، يجب استثمار هذا الحساب وتنميته ليكون السلاح الأقوى في مقارعة الظالمين والمستكبرين، أعداء البشرية والدين الحنيف. فاجعل منه حساباً غنياً، نشطاً، ومليئاً بالحكمة، لتسجل في سجل الحياة كإنسان خالد بأفكاره وتأثيره.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب

