محمد محسن الجوهري*

مرات أسابيع قليلة على توقف مسيرات الجمعة المؤيدة للشعب الفلسطيني المسلم في غزة، وحتى اليوم لا تزال جمعتنا كئيبة بلا ذلك التحرك الجماهيري الضخم الذي كان له وقعه في الميدان، نصرةً لغزة وترهيباً للعدو الصهيوني وأذنابه الإقليميين والمحليين، ورغم أن وقفات الجمعة تقوم بالواجب إلا أن المسيرات الكبرى أصبحت جزءاً من ثقافتنا ونصرتنا لقضايا الأمة الإسلامية.

لقد تحولت مناصرة الشعب الفلسطيني إلى تقليد أسبوعي راسخ على مدى عامين كاملين من "طوفان الأقصى"، مجسدةً بذلك "جهاد الموقف" الذي حظي بثناء فصائل المقاومة ووصفه أبو عبيدة بـ "النداء الذي يقرع الآذان ويرفع الرؤوس ويشحذ الهمم". وبفضل الله وتوفيقه، توقفت هذه المسيرات مؤقتًا بعد أن أدت دورها بامتياز، تزامناً مع توقف العدوان على غزة.

إن هذا الثبات والالتزام الممتد ينبع في الأساس من العمق الإيماني والثقافة اليمنية المتجذرة في الولاية لله والبراءة من أعدائه. وهذه العقيدة تحديدًا هي ما جعلتنا نتجاوز كل الحسابات والمزايدات الهامشية، والأهم من ذلك أنها حصّنت اليمن وأفشلت المؤامرات التي استهدفت جرّها إلى مربع التطبيع، كما حدث مع السودان عبر أدوات السعودية والإمارات.

ولم يكن خروجنا الجماهيري كل جمعة مجرد عادة عابرة، بل كان تأكيدًا وتثبيتًا لمسيرتنا الجهادية الإيمانية، وتذكيرًا بضرورة العمل لنصرة المستضعفين. لقد كانت تلك الخرجات نعمة عظيمة في وقت نشاهد فيه قمع إخواننا في المناطق المحتلة، الذين يُمنعون من رفع صوتهم ضد "إسرائيل" وعملائها خوفاً من فصائل المرتزقة الموالية للرياض وأبوظبي.

فغزة اليوم هي أيقونة الحرية ومقياس لصدق القادة وصحوة الشعوب. وعليه، فإن التوقف المؤقت لمسيراتنا لا يعني بأي حال توقف خطواتنا التصعيدية الأوسع حتى تحرير القدس وكل الأراضي العربية من سيطرة اليهود وعملائهم. فنحن امتداد للذين نصروا الرسول بالأمس، وسنواصل المسيرة تحت قيادة آل بيته حتى إزالة الإفساد الآخر لبني إسرائيل، وفاءً بالوعد الإلهي الوارد في سورة الإسراء.

وفي هذا المقام، لنا أن نتذكر أن وقوفنا في صف الحق، استجابةً لأوامر الله ورسوله واقتداءً بأعلام الهدى، هو مِنَّة إلهية كبرى. ففي هذا المنهج تتركز التضحيات ويتحقق النصر، ويكون لنا الريادة في تحريك الأمة الإسلامية لمواجهة عدوها المشترك. ولولا هذا المسار القويم، لكنا قد وقعنا فريسة للإفساد الديني والأخلاقي الذي تعانيه شعوب الخليج على يد عملاء اليهود.

ولبقاء مسيرتنا التحررية مستمرة وفاعلة، لا بد من الاستمرار في دعم الشعب الفلسطيني بكافة أشكال الجهاد الأخرى. لقد أثبتت المشاركة الجماهيرية الأسبوعية، رغم كونها أقل الواجب، أن لها تأثيرًا كارثيًا على نفوس الأعداء والمنافقين، وفي كل موقف يغيظ الكفار، لنا أجر موعود في الكتاب العزيز، والآن ينتقل هذا الجهاد إلى أشكال جديدة وأكثر تأثيرًا تتناسب مع المرحلة القادمة.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب