سماء السعودية أم سماء الكيان؟
محمد محسن الجوهري*
يمتلك الكيان الصهيوني أقوى المنظومات وأحدثها في مجال الدفاع الجوي، ما جعله نموذجًا للدفاع متعدد ال (multi-layered defense) القادر على التعامل مع تهديدات من جميع المدى والأنواع، فالقبة الحديدية مخصصة كدرع أول لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى والقذائف المدفعية وراجمات الصواريخ، مع رادارات دقيقة ومركز قيادة يحسب مسار الصاروخ لتوجيه صاروخ الاعتراض، يليها نظام مقلاع داوود لاعتراض الصواريخ متوسطة المدى وصواريخ كروز والطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى باستخدام صواريخ Stunner عالية الدقة، بينما تتولى منظومة السهم الطابق الأعلى للدفاع الاستراتيجي، حيث يشمل الجيلان Arrow 2 وArrow 3 لاعتراض الصواريخ الباليستية داخل وخارج الغلاف الجوي على مسافات تصل إلى آلاف الكيلومترات، وقد طورت هذه الأنظمة بالتعاون مع شركات أمريكية مثل Boeing لتعزيز قدرة الكيان على مواجهة الهجمات الاستراتيجية؛ وأخيرًا يمثل Iron Beam الإضافة الأحدث، وهو نظام ليزري يعترض الصواريخ الصغيرة والطائرات بدون طيار والقذائف بسرعة عالية وتكلفة منخفضة، ما يجعله مكملًا فعالًا للأنظمة الأخرى ويعزز من كفاءة شبكة الدفاع الجوي الشاملة.
ومع ذلك وقفت هذه الأنظمة وتقنيتها العالية عاجزة أمام الهجمات اليمنية، وقد رأينا الصاروخ اليمني بضرب مطار بن غوريون والمسيرات اليمنية تضرب أم الرشراش وحتى يافا لتؤكد أن الأمن المطلق للكيان مجرد خرافة وأن الحديث عن تلك التكنولوجيا المتقدمة مجرد عنتريات لترهيب الأنظمة العربية العميلة، أما الأحرار في اليمن ولبنان وغزة، فقد أثبتوا خلاف ذلك، ونجح صواريخهم وطائراتهم في ضرب الكيان في مناسبات كثيرة، ناهيك عن الموجات الصاروخية الإيرانية التي جعلت سماء الكيان مسخرة للعالم أجمع، رغم محدودية المساحة للأجواء في فلسطين المحتلة.
وإذا ما قورنت وضعية الكيان بوضعية السعودية فإن المأساة ستكون أكبر بكثير، فمساحة المملكة تتجاوز المليونين كيلو متر مربع وهي ليست بمستوى التكنولوجيا الصهيونية، وحتى لو امتلكتها فهي أعجز من أن تفعلها كما تفعلها "إسرائيل"، وبالتالي فإن على آل سعود مراجعة أنفسهم قبل أي تصعيدٍ آخر مع الشعب اليمني، فمسيراته وصواريخه أقدر على ضرب مصالح المملكة الاقتصادية والعسكرية أكثر من أي وقتٍ مضى، وأسهل بكثير من استهدافها للكيان البعيد كل البعد عن الجغرافيا اليمنية.
والأسوأ بالنسبة للسعودية أن مصالحها كثيرة جداً ومن السهل ضربها، إضافة إلى أن وضعيتها الاقتصادية ومشاريع بن سلمان الجديدة تتطلب الأمن المطلق حتى تستمر، فمثلاً لن تقبل الفيفا باستضافة الرياض لكأس العالم بعد تسع سنوات من الآن إذا تخلل السنوات القادمة ضربات موجعة للأمن القومي السعودي، ولذا فإن أمنها واقتصادها على المحك، وعليها مراجعة كل خطواتها مع اليمن إن أردت البقاء ضمن أكبر 20 اقتصاد في العالم.
وبما أن البيت السعودي من زجاج فالأكرم لها أن ترفع يدها كلياً عن اليمن، فاستمرارها في تغذية الصراع والتدخل في شؤونه لخدمة الصهاينة سيجعل من الداخل السعودي هدفاً مشروعاً للتدخلات اليمنية، خاصة إذا علم آل سعود أن لدى الشعب اليمني من الإمكانيات ما يكفي لنقل المعركة إلى قلب الرياض وتحويل الرفاهية السعودية إلى حالة من البؤس أسوأ من تلك التي يريدها آل سعود لليمنيين الذين يملكون الحق والشرعية الدينية والأخلاقية في ردع الصهاينة وأدواتهم القريبة والبعيدة.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب

