ترديد "الصرخة" من الذِّكر لله
محمد محسن الجوهري*
في الجاهلية الأولى، ردد الصحابي الجليل أول صرخةٍ في الإسلام فاستحق بذلك أن يُخلَّد ذكره في الدارين، وكانت الأصنام حينها مصنوعة من الحجر والخشب، فكيف بمن يردد الصرخة اليوم وقد أصبحت الوثنية نظاماً يحكم العالم ويفرض على البشرية العبودية لغير الله، وهل الصهيونية الغربية إلا صنماً فُرض على العرب قبل غيرهم، ومحكومٌ على من يعارضها بالموت على يد العدو وأذنابه.
إن من عظمة الصرخة أنها تكسر وثنية العصر في النفوس قبل أن تكسرها في الواقع، ويشهد صاحبها على نفسه بأن عبوديته لله دون غيره، وأنه كافرٌ بالطاغوت محققاً بذلك الشرط الإلهي لدخوله في الإسلام، فدين الله والعبودية له لا الطواغيت لا تجتمعان في قلب رجلٍ واحد.
إضافةً إلى كونها براءةً من أعداء الله، إلا أنها أيضاً من الذِّكر لله وتعظيمه، وكل عباراتها من الإسلام، وحتى تلك التي تهتف بالموت لأعداء الله من أهل الكتاب فهي استجابة للأمر الإلهي في سورة آل عمران: "قل موتوا بغيظكم"، أما "النصر للإسلام" فهي الغاية الأسمى لكل المؤمنين بالله وكتابه ورسله، ولن يتحقق ذلك إلا بموت الطواغيت أولاً، الذين يمنعون المسلمين حتى من ممارسة شعائرهم ويفرضون عليهم الجبايات والقهر حتى في بلاد الحرمين بعد أن وَلَّوا عليها أذنابهم.
وكما يعرف المؤمنون جميعاً، فإن للحق وجه واحد هو ذلك المستمد من القرآن الكريم، أما الباطل فله وجوه كثيرة تتغير حسب الزمان والمكان، فبالأمس، كانت العبودية للأصنام تقوم على خضوع الإنسان لأحجارٍ ينحتها بيده، ثم يمنحها سلطةً على مصيره. ومع أن تلك الأصنام لم تكن تملك نفعاً ولا ضراً، فإن المجتمعات الجاهلية كانت ترى فيها مرجعاً يحدد نمط الحياة والتفكير والسلوك. وكانت المشكلة الحقيقية ليست في الحجر ذاته، بل في السلطة النفسية التي كان يمارسها على العقول، حتى يصبح الفرد عاجزاً عن التحرر منه.
والسلطة النفسية لا تزال قائمة ولكن بأسلوبٍ جديد يختلف عن الصنم الحجري، فالرأسمالية المتوحشة، أو ما يُعرف بالنظام العالمي الجديد، هي أسلوب شيطاني يفرض على البشر الخضوع لغير الله ويمارس القتل وكل أشكال الإجرام بحق من يرفض وجود الرأسمالية، وحتى من غير المسلمين، كما نشاهد حالياً في فنزويلا وشاهدنا من قبل في كوبا وفيتنام، حيث حكمت واشنطن بالموت والعقوبات الاقتصادية المجحفة على الكافرين بالنظام الرأسمالي.
أما العقيدة الصهيونية، فهي وليدة القوى الرأسمالية الكبرى، وهي أكثر الأشكال الهمجية تطرفاً وإبادةً للآخر، وهي تمارس ذلك الإجرام بالاعتماد على حماية القوى الكبرى التي تضمن لها الاستمرارية وإخضاع كل الأطراف الحرة المناوئة لها، وبهذا يتحول الضعف أمامها إلى نوع من الخضوع الفكري والنفسي، يشبه خضوع الجاهلي لأصنامه، مع فارق أن الأصنام القديمة لم تكن تمتلك جيوشاً ولا إعلاماً ولا نفوذاً عالمياً.
وترديد الصرخة والهتاف بالموت لأرباب الصهيونية والرأسمالية هو الخطوة الأولى لكسر الأصنام الجديدة والتمرد على العبودية لغير الله، ويكفي أنها في اليمن تفضح المنافقون وعملاء الصهيونية من أحزاب وجماعات سياسية كانت تزعم الوطنية وتمارس على غيرها الابتزاز والتشكيك، كحال نظام عفاش وحزب الإصلاح الذين اختلفوا في كل شيء إلا في الولاء للمشروع الصهيوني وفي معاداة الأحرار في اليمن وغير اليمن، ومن بركات الصرخة أنهم اليوم في الضفة الأخرى للقضية الفلسطينية ولولا الصرخة ما سقطت الأقنعة وظهر أمرهم أمام الشعب وكل الأمة الإسلامية.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب

