التسامح الديني عند طواغيت العرب
محمد محسن الجوهري*
إن الحديث عن التسامح الديني في السياق العربي يكتنفه تناقضٌ صارخٌ بين ما يُعلَن على المنابر وما يُمارَس على أرض الواقع. فالنخب الحاكمة و"طواغيت العرب"، والمؤسسات الدينية الموالية لهم، غالبًا ما ترفع شعار التسامح والقبول بالآخر عندما يتعلق الأمر بالعالم الغربي أو بالقوى المهيمنة. هذا الخطاب، المُوجَّه خارجيًا، يبدو وكأنه أداة لتبرير العلاقات الدبلوماسية أو الاقتصادية، وربما لتسهيل استعمال أراضي الأمة والهيمنة على ثرواتها ومقدراتها تحت مظلة الانفتاح والاعتدال. يُستخدم التسامح هنا كـقناعٍ حضاري يسترعي القبول الغربي ويبرر التبعية.
على النقيض تمامًا، ينقلب المشهد رأساً على عقب عند تحويل البوصلة نحو الوضع الداخلي للأمة. فـدعاة التسامح الظاهريون هم أنفسهم من يتحولون إلى دعاة التكفير والتأجيج الطائفي عندما يخدم ذلك مصالح السلطة أو يضمن استمرار هيمنة تيار معين.
يُغذِّي هذا الخطاب المزدوج الصراعات البينية التي تتخذ طابعاً مذهبياً أو طائفياً، مما يُضعِف النسيج الاجتماعي ويُشتِّت طاقة الأمة.
وقد حالت هذه الصراعات الداخلية الممنهجة بشكل مؤثر دون توحيد الصف العربي والإسلامي في وجه التحديات الكبرى، وعلى رأسها الغزوة الاستعمارية القديمة والجديدة، ومواجهة العدو الصهيوني.
ومن أخطر تجليات هذا التناقض هو توظيف الخطاب الطائفي والتحذير من "البدعة" أو "الضلال" لتحريم أي طرف يبرز لمواجهة العدو الصهيوني أو التحديات الخارجية الحقيقية. فعندما تظهر قوى مقاومة أو حركات تحررية ذات قاعدة شعبية، فإن الأنظمة وأذرعها الدينية قد تسارع إلى وصمها بالطائفية أو التطرف أو التكفير، بغض النظر عن فعالية هذه القوى في قتال العدو المشترك. الهدف من هذا التحريم هو سحب الغطاء الديني والأخلاقي عن قوى المقاومة لتقليل شعبيتها وتأثيرها، وضمان عدم تزايد قوة أي طرف قد يهدد استقرار السلطة العميلة أو تحالفاتها الإقليمية والدولية.
ولعل ما يسمى بالاتفاقيات الإبراهيمية خير شاهد على ذلك التناقض، فمعسكر التطبيع والخيانة يبرر عمالته باسم التسامح الديني، فيما تقف أطرافه خلف كل صراع واقتتال داخلي في كل البلاد الإسلامية.
وعلى هذا دأبت حتى العناصر المحلية العميلة، فمرتزقة اليمن، بمختلف مسمياتهم، يجمعون على التسامح مع العدو الخارجي لتبرير خيانتهم، فيما هم في الداخل يعملون بكل الوسائل لتأجيج الفتن والصراعات لضرب أبناء الشعب الواحد ببعضهم البعض، ولهذا تجدهم يقتلون كل من يعادي الصهاينة بذريعة التسامح الديني، وهذا هو الإجرام بعينه.
في لبنان أيضاً، دفع التسامح المزعوم الوهابية السعودية إلى التحالف مع اليمين المسيحي المتطرف لقتال حزب الله، والذي سيبقى خارج دائرة التسامح حتى يخنع الصهاينة كما خنعوا هم من قبل.
وفي مصر، تمارس السلطة كل أشكال القمع بحق المسلمين وتؤلب بعضهم على بعض لضمان بقاء الشعب منشغلاً بنفسه، فيما يبقى غير المسلمين فوق السلطة وفوق القانون.
باختصار، يمكن النظر إلى "التسامح الديني" في معاجم هذه النخب على أنه أداة سياسية وخطابية وليست قيمة إيمانية أو إنسانية راسخة. هو يُستخدَم لـتسهيل التبعية الخارجية وتأمين الانقسام الداخلي، مما يُبقي الأمة مشتتة وضعيفة، عاجزة عن الالتفاف حول قضاياها المصيرية وأعدائها الحقيقيين.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب

