السياسية: تقرير //

فجّرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في تقرير لافت، واحدة من أكبر المفاجآت المتعلقة بالعدوان على غزة، بعد نشرها السجل الكامل لمواعيد وتحركات رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو لعام 2024، والذي تضمن تفاصيل لم تُكشف سابقاً حول اتصالات حساسة وسرّية أجراها نتنياهو خلال ذروة الحرب.

أبرز هذه الاتصالات كانت مكالمة غير معلنة مع رئيس الإمارات محمد بن زايد في 29 أكتوبر 2024، أي بعد أربع سنوات من اتفاق التطبيع، وفي لحظة كانت تواجه فيها "إسرائيل" أسوأ عزلة سياسية منذ عقود.

مكالمة إماراتية "تحت الطاولة".. لماذا الآن؟

الوثائق التي نشرتها "هآرتس" تكشف أن المكالمة لم يرد ذكرها في أي بيان رسمي لا من مكتب نتنياهو ولا من الرئاسة الإماراتية، رغم حساسية توقيتها.

المكالمة جاءت في ذروة الاتهامات الدولية لـ"إسرائيل" بارتكاب جرائم حرب، ومع بدء تحركات داخل المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزرائه.

وهنا تتساءل الصحيفة: هل مثّلت أبوظبي قناة التفافية لتخفيف الضغوط عن نتنياهو أو لإدارة ترتيبات ما بعد الحرب؟

هذه ليست المرة الأولى التي يُثار فيها دور الإمارات في ملفات سرية متعلقة بـ"إسرائيل". فبعد التطبيع، لعبت أبوظبي أدواراً سياسية وأمنية بعيدة عن الأضواء، وبعضها – وفق الصحيفة – قد يكون متصلاً بتقديم غطاء دبلوماسي لنتنياهو خلال الأزمات الحادة.

شبكة اتصالات من فوق وتحت الطاولة

إلى مكالمة ابن زايد، تكشف الوثائق عن تحركات واسعة لنتنياهو نحو واشنطن، وبصورة توحي بأن الحرب لم تُدار من الميدان وحده، بل من شبكة علاقات وضغوط متبادلة.

ليندسي غراهام.. السياسي الأكثر قرباً من نتنياهو

وفق السجل الذي نشرته هآرتس، فإن السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام كان "الضيف المفضّل" لنتنياهو؛ فقد التقيا سبع مرات وتحدثا هاتفياً تسع مرات خلال عام واحد. واللافت أن كثافة هذه الاتصالات جاءت في فترات كانت تشهد:

تحركات في الكونغرس لربط المساعدات العسكرية لـ"إسرائيل" بشروط إنسانية.
ضغوطاً من إدارة الرئيس جو بايدن لتهدئة الحرب.
جدلاً أمريكياً حول تجميد بعض شحنات السلاح.

وتقول هآرتس إن غراهام لعب دور المُنفّذ السياسي لنتنياهو داخل الحزب الجمهوري، مانحاً إياه قناة مباشرة لتجاوز ضغوط البيت الأبيض.

مايك جونسون.. مهندس خطاب الكونغرس

كما تكشف الوثائق عن تنسيق مكثف مع رئيس مجلس النواب الأمريكي مايك جونسون، الذي لعب دوراً حاسماً في:

ترتيب خطاب نتنياهو داخل الكونغرس.
تمرير حزم دعم عسكري جديدة لـ"إسرائيل".
تأمين غالبية جمهورية لمواجهة اعتراضات الديمقراطيين.

ويشير التقرير إلى وجود عشرات الاتصالات بين الرجلين، بعضها تم قبيل كل جلسة تصويت حساسة.

توني بلير.. العقل الغربي في خطة "اليوم التالي لغزة"

السجل يكشف أيضاً عن لقاءات متكرّرة مع رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، أحد أبرز الوجوه الغربية الداعمة لسياسات إعادة هندسة الشرق الأوسط.

وبحسب الصحيفة، فإن هذه اللقاءات ركزت على:
- خطة اليوم التالي لغزة.
- ترتيبات ما بعد حماس.
- بحث إنشاء مجلس السلام الدولي.
الحصول على دعم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قبل فوزه بالولاية الثانية.،

وتقول هآرتس إن بلير عمل كقناة بين نتنياهو ومسؤولين عرب وأوروبيين، في محاولة لصياغة “خريطة طريق سياسية” لا تظهر للعلن.

12 اجتماعاً مع رجل الظل

إحدى المفارقات اللافتة التي تسجّلها "هآرتس" هي إجراء 12 اجتماعاً بين نتنياهو وزعيم حزب شاس أرييه درعي، رغم عدم تولي الأخير أي منصب حكومي رسمي.

الاجتماعات، وفق الصحيفة، تشير إلى أن درعي كان شريكاً فعلياً في إدارة الحرب من وراء الستار، وأنه لعب دوراً في:
- ترتيب القرارات داخل الائتلاف اليميني.
- ضبط التوازنات مع أحزاب الحريديم.
- إدارة الخلافات بين نتنياهو وإيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.
قراءة أوسع: الحرب تُدار من شبكة مصالح دولية

تخلص "هآرتس" في تحليلها إلى أن ما يكشفه السجل ليس مجرد جدول مواعيد، بل خريطة كاملة لإدارة الحرب.
فالحرب على غزة لم تكن معركة ميدانية فقط، بل:

1- حرب علاقات مع واشنطن لتأمين السلاح.
2- حرب نفوذ مع أوروبا لاحتواء الاتهامات الجنائية.
3- وحرب توازنات إقليمية لعبت فيها الإمارات - عبر مكالمة محمد بن زايد - دوراً غير معلن.

وتشير الصحيفة إلى أن الاتصال بالإمارات يتجاوز كونه اتصالاً دبلوماسياً عابراً، بل ربما يرتبط بـ:

الحصول على دعم عربي لخطط "اليوم التالي".
محاولة التأثير على ملف المحكمة الجنائية.
ترتيب تفاهمات إقليمية تتعلق بغزة والضفة وإعادة الإعمار.
أو حتى تأمين قنوات خلفية للتواصل مع أطراف عربية لا تريد الظهور علناً.
خاتمة: ما خفي أعظم

تقول "هآرتس":" إن نشر السجل لا يكشف إلا جزءاً صغيراً من الصورة"، مؤكدة أن شبكة الاتصالات السرية التي أحاطت بنتنياهو خلال الحرب توضح أن بقاءه السياسي كان مرتبطاً بقدرة هذه الشبكات على:

توفير دعم أمريكي مستمر.
تحييد الضغوط الأوروبية.
وضمان موقف عربي غير عدائي خلال أكثر لحظات الحرب دموية.

وتبقى مكالمة محمد بن زايد، التي جاءت من خارج كل القنوات الرسمية، أحد أكثر الأسئلة المفتوحة:
هل كانت لحماية نتنياهو؟ أم لترتيبات اليوم التالي؟ أم لخدمة مصالح أبوظبي في الإقليم؟

أسئلة تقول "هآرتس" إن الإجابة عنها لم تُحسم بعد.

* المادة نقلت من موقع "تطبيع ميتر"