محمد محسن الجوهري*

كان عارف الزوكا من القيادات الوطنية الصادقة والحريصة على وحدة الشعب بكل فئاته ومناطقه والرافض لكلٍ عدوانٍ خارجي على الشعب اليمني أو على أي مكونٍ مكوناته، كما أنه من القيادات المؤتمرية الوفية التي رفضت الخيانة لصالح التحالف، وحتى عندما تخلى الجميع عن عفاش بعد اندلاع ثورة الـــ 11 من فبراير، ظل الزوكا واقفاً إلى جانبه، إذ ليس من الأخلاق أن تتخلى عن رفيق دربك لمجرد أن الآخرين تخلوا عنه.

وحتى حضوره إلى منزل عفاش صبيحة الــ 2 ديسمبر لم يكن بغرض تأييد الفتنة والإقتتال الداخلي، وإنما لثني عفاش عن غدره، وقد أصر الأخير على موقفه الخياني استجابةً لضغوطٍ خارجية، وهذا ما يؤكده زملاء في قناة اليمن اليوم، خاصة الذين وثقوا خطابه الأخير، فقد شهدوا تفاصيل الجدال الحاد بين الاثنين.

وما بين تلك الساعة المشؤومة في حياتهما وبين انتهاء الفتنة، كان هناك روايتان، الأولى رسمية لأجهزة الأمن وقد أكدت أن عفاش هلك فاراً وهو في طريقه إلى مناطق سيطرة العدوان في مأرب، بينما روج أنصار عفاش وأزلامه لروايةً مفادها أن الرجل قضى نحبه في منزله بالثنيٍّة وهو يقاتل منتصباً شامخ الرأس وإلى جانبه الزوكا، وهي الرواية التي دحضها آل عفاش مؤخراً في وثائقي عن مقتله لقناة العربية، وقد شاهد الجميع صدق الرواية الأولى ولو بعد حين، تماماً كما شهدنا صدق روايتهم الأولى عن فرار الخائن علي محسن الأحمر في سبتمبر 2014، وهي الرواية التي لاقت لغطاً كبيراً في حينه قبل أن يثبتها السفير السعودي بنفسه، وبالكيفية عينها التي تحدث عنها الأنصار قبل سنوات.
وبما أن الرواية حول مصرع عفاش في منزله قد فُنّدت وبان زيفها، يبقى سؤالٌ جوهري عن مصير عارف الزوكا وكيف قضى ساعاته الأخيرة في منزل عفاش؟
فالأخير فرَّ بدونه إلى مشواره الأخير تاركاً خلفه الزوكاً ميتاً، ولو كان حيَّا لاصطحبه معه، وحتى لولم يكن حياً لكان الأولى بأن يأخذ رفاته معه، والأهم كيف قُتل وحده ولم يُقتل عفاش وهو إلى جانبه؟
إن السيناريو الأقرب هو أن عفاش تخلص من الزوكا قبل فراره من منزله لأسبابٍ تتعلق بالطبيعة الجديدة لتحالفاته السياسية، فالزوكا، وإن اختلف مع أنصار الله في الكثير من التفاصيل، إلا أنه ما كان ليقبل بالخيانة والارتماء في أحضان العدو الخارجي للشعب اليمني، وعندئذٍ سيكون بقاؤه في صنعاء محرجاً لعفاش بعد أن ينتقل هو إلى صف العدوان، ولذلك تخلص منه حتى لا يضعف موقفه لاحقاً عندما يظهر الزوكا ويبين للشعب حقيقة عفاش وأسباب خيانته.

ومن يعتقد أن عفاش لن يفعلها فليتذكر الحادثة التي سبقت فتنة ديسمبر بأشهر قليلة، وهي الحادثة التي قتل فيها خالد الرضي، بحادثة أمنية في جولة المصباحي، وعلى بعد مئات الأمتار من قصور آل عفاش في المنطقة.

ورغم ضبابية الموقف وغموض الكثير من تفاصيل الحادثة، إلا أن الثابت أن عفاش أرسل مدرعاتٍ لاصطحاب ابنه الجريح (صلاح) من المكان وترك خلفه الرضي ينزف حتى الموت، وكان الأولى أن يصطحبه مع ابنه إلى خارج المكان حتى لو كان جثةً هامدة، لكنه عفاش وطريقته في بيع الرجال بعد الزج بهم في صراعاته الخاصة.

وحتى حروب صعدة الست فقد شهدت الكثير من مثل هذه الخيانات، فقد كان عفاش يزج بالمشائخ في العدوان على المجاهدين وسائر الشرفاء من أبناء المحافظة، ثم يترك أولئك المشائخ ليواجهوا مصيرهم السوداوي مع أبناء جلدتهم، وبعد أن يكونوا قد ارتكبوا الحماقات التي تخلق عداواتٍ دائمة مع مجتمعاتهم، وتفاصيل تلك الخيانات لا تزال عالقة في أذهان الضحايا من مشائخ صعدة، إضافة إلى أن الأستاذ أحمد الكحلاني، القيادي المؤتمري المعروف، كان شاهداً على هندسة الأغلب من مخططاتها.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب