الخط الأصفر يبتلع شرق غزة.. وعائلات تُدفع إلى نزوحٍ لا ينتهي
السياسية - وكالات :
بين ركام البيوت المتناثرة شرق مدينة غزة، تتكثف مشاهد النزوح كما لو أنها قدرٌ لا يتوقف، ومع كل خطوة يتراجع فيها السكان عن حدود حيٍّ محاصر، يتقدّم ما بات يُعرف بـ "الخط الأصفر" الذي فرضه جيش العدو الإسرائيلي ليبتلع ما تبقى من أحياء الشجاعية والتفاح والشعف.
توسّعت المنطقة المحظورة فجأة، وتقلّصت معها المساحات الآمنة، فوجدت مئات العائلات نفسها تُدفع إلى الشوارع المكتظة غربًا، في رحلة تهجير إضافية لم تترك لهم مكانًا يستقرون فيه أو يلتقطون أنفاسهم.
وفي قلب هذا المشهد، تتردّد أصوات الأهالي، متعبة ومرهقة، تبحث عن أمانٍ لم يعد موجودًا.
على تخوم الشجاعية، وقف محمد مشتهى يحدّق في الفراغ الذي كان يومًا بيته. قال بصوت يختلط بالغضب والمرارة لـ صحيفة (فلسطين): "إحنا مش عارفين نرجع لبيوتنا.. ولا نأخذ منها شيء. وين الأمة العربية تشوف اللي بصير فينا؟".
منذ وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر، حاولت عائلات كثيرة العودة إلى ما بقي من منازلها، لكن القصف المدفعي وإطلاق النار من الآليات العسكرية الصهيونية في المناطق الشرقية ظلّا يلاحقان كل محاولة للعودة.
ومع تفجير العدو لعربات مفخخة في محيط التفاح والشجاعية خلال الأيام الأخيرة، تحولت المنطقة إلى مساحة شديدة الخطورة، ما جعل السكان يعيشون بين تهديد دائم ونزوح متواصل.
يروي مشتهى لحظات خروجه الأخيرة: "القصف ما وقف.. الدبابات تقدمت.. والروبوتات فجّرت البيوت حولنا. حسّينا الخطر فوق رؤوسنا. حملنا أولادنا وطلعنا".
على مسافة قريبة، كان علاء سعد ينظر نحو السماء كما لو أنه ينتظر خطرًا جديدًا. قال وهو يشير إلى زقاق شهد إطلاق نار قبل دقائق: "بيقولولنا روحوا غرب.. طيب وين؟ كل الأماكن مليانة. الناس فوق بعض. ننام على الخوف وبنصحى على الخوف".
ازدحمت المناطق الغربية من المدينة بما يفوق قدرتها، فأصبحت الخيام فوق بعضها والمساحات تضيق يومًا بعد يوم، بينما يستمر تدفّق العائلات التي تُطرد من حدود الخط الأصفر.
اضطر الشاب علاء الوادية للدخول إلى المنطقة المحظورة لالتقاط بعض حاجياته. يقول بصوت يملؤه الأسى: "الغرب مكدس بالناس… ما في مكان. رجعت آخذ اللي ضل من بيتنا. الشجاعية مش بس حيّ… هي حياة كاملة".
عائلات أخرى عاشت المشهد نفسه، منها أبو إياد أبو سكران الذي كان يدفع عربة محملة ببقايا منزله. قال وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة: "هاي المرة العاشرة بنطلع من بيتنا. الناس تعبت.. البرد قوي والليل طويل والولاد ما إلهم مكان يتدفّوا فيه".
ثم نظر إلى ابنه الواقف بجانبه وأضاف: "قول للعالم.. إحنا مش طالبين شيء. بس بدنا نعيش بأمان في دارنا".
مع توسّع "الخط الأصفر" وابتلاع العدو الإسرائيلي لمزيد من الأحياء، تتكرر مشاهد التهجير، لكن هذه المرة يبدو الألم أثقل. لم تعد المشكلة في فقدان البيوت وحدها، بل في انعدام أي مساحة آمنة يمكن للعائلات أن تستقر فيها. وفي غرب غزة، حيث الخيام تلتصق بالخيام وتضيق الأرض بمن عليها، يقف الناس بين الخوف والحنين، يتشبثون بأي بصيص أمل قد يعيدهم إلى بيوتهم.
وبين الركام والبرد والازدحام، يعلو صوت واحد يشترك فيه الجميع: "نريد فقط أن نعيش.. في بيوتنا".

