السياسية - نضال عليان:

تحوّل فصل الشتاء في قطاع غزة، من فصل جميل لسكانه يحمل معه أمطار الخير، إلى فصل مرعب، وبخاصة منذ بدء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها على مدى أكثر من عامين متواصلين قوات العدو الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني المحاصر هناك.



مياه الأمطار التي اعتاد أهالي القطاع على أن يحملها فصل الشتاء إليهم، تحولت من موسم جميل ينتظره السكان إلى كارثة إنسانية فرضها منخفض جوي مدمر عزز من التداعيات الإنسانية؛ في ظل الدمار الهائل الذي خلفته جريمة الإبادة الصهيونية في كل مناحي الحياة، إذ دفع هذا الدمار سكان القطاع ممن دمر العدو الصهيوني منازلهم وهم غالبية كبيرة، إلى السكن في خيام مهترئة مقطعة الأوصال، لا تصمد أمام الأمطار الغزيرة والسيول والرياح العاتية، فكانت الكارثة التي خلقت مأساة مركبة بكل المعاني مما تضيق معه العبارة؛ لاسيما مع استمرار العدو في منع دخول المساعدات الإنسانية اللازمة لمواجهة هذه الكارثة الإنسانية.



طواقم جهاز الدفاع المدني تواصل تنفيذ خطتها للتعامل مع آثار المنخفض الجوي الذي يضرب القطاع منذ يومين، والذي أدى إلى اقتلاع وإغراق خيام النازحين، كما تسبب في انجراف منازل طالها الدمار وأدى إلى انهيارها، علاوة عن غمر مناطق واسعة بالأمطار ومنها أقسام مهمة في مستشفى الشفاء، أكبر مشافي قطاع غزة.



وقال المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة، محمود بصل، إنه منذ بداية المنخفضات الجوية، انهارت أكثر من 17 بناية سكنية بشكل كامل، فيما تعرّضت أكثر من 90 بناية سكنية لانهيارات جزئية خطيرة، ما يشكّل تهديداً مباشراً لحياة آلاف المواطنين.



وأشار في تصريح صحفي، إلى أن المنخفضات الشتوية أسفرت تداعياتها الجوية عن وفاة 17 مواطناً، من بينهم أربعة أطفال نتيجة البرد القارس، فيما توفّي الآخرون جراء انهيارات المباني.



وأشار إلى غرق نحو 90% من مراكز الإيواء في قطاع غزة تضررت بشكل كامل نتيجة السيول ومياه الأمطار، فيما تضرّرت وغرقت كافة خيام المواطنين في مختلف مناطق القطاع.



وأوضح أن ذلك أدى إلى فقدان آلاف الأسر لمأواها المؤقت، وتسبّب في تلف ملابس المواطنين وأفرشتهم وأغطيتهم، وفاقم من معاناتهم الإنسانية



وكانت وزارة الصحة في القطاع قد أعلنت اليوم الأربعاء، أن المنخفضات الجوية التي ضربت قطاع غزة منذ بداية فصل الشتاء الحالي، أدت إلى استشهاد 12 فلسطينياً بينهم 11 شخص بسبب انهيار المباني الآيلة للسقوط، وطفل رضيع عمره اسبوعان بسبب البرد الشديد، فضلاً عن إصابة المئات بأمراض البرد وسط أزمة صحية خانقة يعانيها القطاع نتيجة عدم سماح العدو الإسرائيلي بدخول الأدوية إلى مستشفيات غزة.



في ظل هذه الظروف القاسية والصعبة، لم يعد الفلسطينيون النازحون يعرفون أين يذهبون، فخيامهم القماشية والممزقة والمهترئة التي تأويهم لا تقيهم من الأمطار التي تأتيهم من السماء، ولا من السيول التي تجتاح خيامهم من الأسفل، فأصبحوا يعيشون وسط بيئة غارقة بالمياه شديدة البرودة، وباتت العوائل تصحو على أنين الأطفال والشيوخ، وهم يغرقون في مياه الأمطار ، فضلاً عن البرد الشديد، الذي يُعد حالياً من أسباب الموت، الذي يريده العدو الصهيوني للشعب الفلسطيني، ضمن انتهاجه سياسة قتل الفلسطينيين سواء بنيران جيشه أو بالموت جوعاً أو برداً أو غرقاً، ما يعني "تعددت طرق الإبادة، والموت واحدٌ".



تتزايد المخاوف من ارتفاع عدد الوفيات نتيجة استمرار هذه الظروف القاسية مع استمرار المنخفض بالتوازي مع برد الشتاء القارس، لاسيما مع الانهيارات اليومية للكثير من المنازل بسبب الأمطار الغزيرة والرياح العاتية؛ منازل هي في الأساس مدمرة جزئياً بصواريخ وقنابل جيش العدو الصهيوني، لجأت إليها كثير من العائلات للاحتماء بها؛ لأنها لم تعد تجد حتى خيمة تؤويها، وفجأة تنهار هذه المنازل على رؤوس ساكنيها.



موتٌ بألوان ووسائل جديدة في قطاع غزة كل يوم، ومع ذلك لا أحد يتحرك أو يحرك ساكناً في هذا العالم، الذي يقف متفرجاً، وتدعي فيه الدول الكبرى والمنظمات العالمية، الدفاع والعمل من أجل "حقوق الإنسان" كأكذوبة يعرفها أهالي غزة أكثر من غيرهم.



كارثة إنسانية متعاظمة، ومتطلبات كثيرة يحتاجها أهالي قطاع غزة أقلها إدخال "الكرفانات" بدلاً من الخيام القماشية أو البلاستيكية التي لا تقيهم من مياه الأمطار، وهو ما لا يسمح به العدو الصهيوني.



وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) جالت في مخيمات النازحين في غزة، بهدف رصد جانبًا من المأساة الفلسطينية هناك جراء المنخفض الجوي والبرد القارس.



في أحد مخيمات النازحين بغزة، التقى مراسل وكالة "سبأ" عائلة غزية تعكس معاناة لا حد لها:

امرأة فلسطينية مسنة داخل خيمتها الغارقة بمياه الأمطار، ومعها زوجها الراقد على سرير المرض، لكن الصورة كانت نازفة للغاية، إذ لم تتوقف المأساة عند هذا الحد؛ فالمياه أحاطت برب الأسرة العليل من كل جانب، ومثل هذا المشهد أصبح مألوفا بالنسبة لأهالي غزة.



تقول المسنة الفلسطينية من داخل خيمتها، لـ "سبأ": “طول الليل الدنيا تشّتي، وعندي الخيمة تنقط، فحطيت طناجر، والصباح من كثر المطر، مرقت المياه على الخيمة، وعندي زوجي مقعد، وعندي بناتي وهذا فراشي كله في الماء، ومش عارفة ايش بدي أعمل".

وأضافت: “من الصباح أعيط للشباب ينشدوني، وأولاد الحلال إجوا لكن ما قدروا يعملوا حل".

وتابعت: “بدي خيمة، بدي شادر، بدي حد يقف معايا. أنا ميتة من السقعة مش لاقية ألبس. أواعينا غرقت بالميه. بناتي مش لا قيات يلبسن. على أيش أنام الليلة، مش عارفة وين أروح. بدي أولاد الحلال يعطوني حاجة أتغطى وينيموني. يلبسونا أواعي. أنا ميتة من السقعة، وأنا وبناتي من الصبح في الميه، أيش أعمل؟".

وأردفت: “الميه دخلت علينا من باب الخيمة ومن تحتها ومن فوقها. عندي الحمام طفح وامتلأ، وطفح علينا الوسخ من كثافة الميه. أنا مش عارفة وين أقعد، لي من الساعة خمسة الصباح صاحية وأنا واقفة على رجليّ مش عارفة أنا وبناتي فين أقعد".

وأمام هذا المشهد الكارثي، تعمّ الشارع الغزاوي، حالة من اليأس تجاه أي تحرك عربي أو إسلامي أو عالمي، من أجل إنقاذهم من هذا الوضع المأساوي المميت، حتى بات الفلسطينيون يرددون مقولة "من لم يقف معك وانت تغرق في دمك، لن يقف معك وانت تغرق بالماء".