كوريا الشّمالية نحو النوويّ.. أين دور روسيا والصّين؟
ردّ الصين وروسيا على خطوات واشنطن وإجراءاتها بحقهما، جاء عبر الخطوة الكورية الشمالية في إعادة العمل بالمفاعل النووي الأخطر في نظرها.
شارل أبي نادر*
طردت بيونغ يانغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أراضيها منذ ما قبل العام 2010، بسبب تقارير الوكالة في ما خصّ برنامجها النووي، والتي اعتبرتها سلطات كوريا الشمالية حينها تقارير مشبوهة ومُحرّفة وموجّهة أميركياً. هذا الموضوع ليس مستبعداً، إذ إنَّ تقارير الوكالة حول النووي الإيراني أيضاً لم تكن موثوقة، ولكن بقيت هذه الوكالة المعنية بمراقبة امتثال الدول للقوانين أو القيود الدولية المتعلقة بمنع أو ضبط أو خفض الأسلحة النووية حول العالم، تراقب البرنامج النووي لبيونغ يانغ من الخارج، وبالحد الأدنى، معتمدة على تقارير مخابراتية (أميركية المصدر في أغلبها)، وعلى بعض المعاينات الميدانية غير الرسمية من مراسلين وخبراء وفنيين دوليين، وبقي موقف الدول الغربية بقيادة واشنطن يربط مخطّطات كوريا الشمالية وأحلامها النووية بفرض عقوبات مشددة على الأخيرة، وكأنها أصبحت دولة نووية فعلاً.
مؤخراً، فاجأت الوكالة الدولية للطاقة الذرية المجتمع الدولي بتقرير توحي فيه، واستناداً إلى معاينات حسيّة، بأنَّ كوريا الشمالية قد تكون أعادت العمل بتشغيل مفاعل نووي على نطاق واسع، يُعتقد أنه أنتج “بلوتونيوم” لأسلحة نووية. وقالت الوكالة إنها تعمل على مراقبة نشاط محتمل لإعادة المعالجة، لفصل “البلوتونيوم” عن وقود المفاعلات المستنفد، والذي قد يُستخدم في صنع أسلحة نووية.
في الواقع، جاء إجراء كوريا الشمالية في وقت تعهَّدت بتعزيز الردع الحربي لإزالة أيّ تهديدات خارجية، بسبب استمرار العقوبات الغربية الجائرة عليها من دون وجه حقّ، وتنديداً بالتدريبات العسكرية الأميركية- الكورية الجنوبية الأخيرة، معتبرةً هذه المناورات “دليلاً واضحاً على متابعة ممارسة حرب الغزاة، والتي تفترض مرة أخرى الحاجة إلى مواصلة تعزيز دفاعنا الوطني وقدراتنا الاستباقية القوية بما يكفي للتعامل مع التهديدات الخارجية وإزالتها”.
في متابعة لمسار وظروف وأبعاد قرار كوريا الشمالية بإعادة العمل بالمفاعل النووي “يونغبيون”، بعد أن تقاطع تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع تقرير مماثل صدر عن المعهد الأميركي الكوري في جامعة “جونز – هوبكينز”، فإن “صورة التقطت عبر الأقمار الاصطناعية في 31 آب/أغسطس أظهرت بخاراً يتصاعد من مبنى ملاصق لمبنى المفاعل يونغببيون النووي الذي ينتج البلوتونيوم، ما سيتيح للنظام تسريع برنامج التسلّح”، بحسب ما أعلن مؤخراً مركز أبحاث أميركي، ما يبرز أكثر من علامة استفهام حول ذلك القرار يجب الإضاءة عليها:
لا يمكن القول إنَّ هناك دوافع أو أسباباً طارئة شكلت ضغطاً جديداً على كوريا الشمالية ودفعتها إلى إعادة العمل بالمفاعل النووي، وبشكل فيه الكثير من التحدي للمجتمع الدولي، فالمناورات الأميركية المشتركة مع كوريا الجنوبية لم تتوقف تقريباً، وبقيت تحصل بشكل شبه روتينيّ، وتأخُرها في بعض الأحيان كان لأسباب أميركيّة خاصّة امتزجت بين تداعيات كورونا أو تغيير الإدارة الأميركية وإعادة إطلاق الأخيرة استراتيجيات جديدة، كما أن العقوبات لم تتوقف على بيونغ يانغ منذ ما قبل الثمانينيات.
وقد تعودت الأخيرة على هذا النمط من الحياة مع عقوبات دولية، الأمر الذي لا يستدعي – بحسب أغلب المتابعين – هذا التحول في القرار الكوري الشمالي، والذي تعرف بيونغ يانغ جيداً أنه لن يكون مرحَّباً به بتاتاً من القوى الغربية، وعلى رأسها واشنطن، فلماذا إذاً ظهر هذا الموقف الكوري الشمالي فجأة؟ وهل يمكن ربط الموضوع بعوامل خارجية؟ وماذا يمكن القول عن العاملين الصيني والروسي وإمكانية تأثيرهما في ولادة هذا القرار؟
بالعودة إلى مسار التفاوض أو الصراع بين المجتمع الدولي وكوريا الشمالية حول برنامجها النووي وإمكانية امتلاكها أسلحة دمار شامل، نووية بالتحديد، كانت روسيا والصين تلتزمان دائماً بالإجماع الدولي في رفض امتلاك بيونغ يانغ تلك الأسلحة، والسبب، على الرغم من التناقض الواسع بين سياسة الطرفين الدوليين مع سياسة واشنطن، أنهما كانا دائماً يؤيّدان إبعاد وصول السلاح النووي إلى الجزيرة الكوريّة، لأسباب تتعلَّق طبعاً بالإجماع الدولي، وأيضاً لأسباب تتعلّق بخطورة ذلك، لو حصل، على الأراضي الروسيّة أو الصينيّة القريبة من الميدان المحتمل لاستعمال تلك الأسلحة التدميريّة، والمؤشر لذلك – رفض روسيا والصين حصول بيونغ يانغ على تلك الأسلحة – كان حينها عدم لجوء أي من الدولتين إلى حق النقض (الفيتو) لأكثر من قرار أممي، فُرِضت بموجبه على كوريا الشمالية عقوبات غير بسيطة، وحُظرَ عليها بموجبه أيضاً تفعيل مسارها النووي.
اليوم، كما يبدو، تغير الموقفان الصيني والروسي تجاه هذه النقطة، وعلى الأقل موقف إحدى الدولتين، ليس بسبب خروجهما عن الإجماع الدولي، وطبعاً ليس بسبب عدم اعتبارهما أنّ في ذلك خطراً على أراضيهما، بل بسبب الموقف الأميركيّ الصّدامي مع الدولتين، إذ يعتبران أنَّ المواجهة العنيفة التي تشنّها واشنطن ضدهما، وفي الاتجاهات كافة، تستدعي “هزة بدن” أو تحذيراً حسّاساً لواشنطن، وهما جاهزتان، كما يبدو، لرفع التحدّي في وجهها، من خلال دفع بيونغ يانغ نحو إعادة العمل بمفاعل نووي حساس قادر على أن يؤمّن للأخيرة مروحة واسعة من القدرات، تبدأ بالقدرات العلمية لمصلحة المختبرات والأبحاث الطبية، وتمتدّ إلى الطاقة النووية الكهربائية، لتصل في نهاية مسار تطوير الاختبارات والتخصيب إلى القنبلة النووية.
لناحية الحرب الأميركية ضد الصين، فهي تتطوَّر وتتفاعل ويرتفع مستواها، وذلك في الاتجاهات التالية:
ي موضوع كورونا، ما زالت واشنطن تتابع مناورة الضغط على الصين وتلاحقها في موضوع اتهامها بالتسبب بانطلاق الوباء من داخل الصين. وبعد أن بدأت هذه الحرب مع الرئيس السابق دونالد ترامب، التزم بها الرئيس بايدن، في واحدة من النقاط المشتركة النادرة بين سياستي الرئيسين، وربما تكون النقطة الوحيدة المشتركة.
في موضوع تايوان، يتابع الجميع الحملة الأميركية العنيفة على الصين في موضوع جزيرة تايوان، إذ تتبنى واشنطن علناً، وبشراسة، دعم الأخيرة في تثبيت انفصالها عن الصين بالدبلوماسية والإعلام والمناورات العسكرية المشتركة، وفي مدّ الجزيرة بمروحة واسعة من أسلحة التحدي للصين.
في بحر الصين الجنوبي، تقارب واشنطن الموضوع بعدائية مفرطة، وكأنها إحدى دول حوض البحر المذكور، التي تدَّعي ملكيتها للجزر، موضوع الخلاف مع الصين، وهي جزر باراسيل وسبارتلي وغيرها، وتثابر على التصويب في كل المحافل بأنه لا سيادة متميزة للصين على هذا البحر الاستراتيجي.
أيضاً، تظهر العدائية الأميركية ضد الصين من خلال عرقلة واشنطن مشروع “الحزام والطريق” الصيني في كثير من الدول التي يمر فيها المشروع؛ في أفغانستان وباكستان وإيران واليمن والعراق وسوريا وباب المندب وأفريقيا وغيرها.
لناحية العدائية الأميركية لروسيا، حدِّث ولا حرج عنها، فهي واضحة في أغلب مناطق الصراع أو النفوذ المشترك حول العالم. وإضافة إلى تبنّي واشنطن، وبصراحة صارخة، ملفّ “حقوق الإنسان” في روسيا – كما تدَّعي – ودعم الذين يعارضون سياسة الرئيس فلاديمير بوتين، جاء الموضوع الأهم والأحدث في هذه العدائية، ما ظهر مؤخراً على لسان الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، من أنَّ نظيره الأميركي يدعم انضمام أوكرانيا إلى “الناتو”، وبأنه شعر وسمع من الرئيس بايدن بأنّه يدعم شخصياً انضمام أوكرانيا إلى “الناتو”، وما يعنيه ذلك – لو حصل – من خطورة وحساسية ستعتبرها موسكو أشبه بإعلان حرب غربية عليها.
من هنا، يمكن القول إنّ الردّ الصينيّ – الروسيّ على خطوات واشنطن وإجراءاتها بحقهما، جاء عبر الخطوة الكورية الشمالية في إعادة العمل بالمفاعل النووي الأخطر في نظرها،”يونغبيون”. ومن خلال رعاية بيونغ يانغ ودفعها أو توجيها نحو إعادة تشغيل المفاعل المذكور، ولاحقاً من خلال حمايتها بخصوصه أمام الضغوط الأميركية وأمام قرارات مجلس الأمن المرتقبة حوله، أرادت كل من بكين وموسكو تذكير واشنطن بأنَّها ليست اللاعب الاستراتيجي الوحيد في المسرح الدولي.
* المصدر : الميادين نت